فصل: (التَّاءُ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن ***


‏[‏أَنْ‏]‏

أَنْ‏:‏ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَى أَوْجُهٍ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا نَاصِبًا لِلْمُضَارِعِ، وَيَقَعُ فِي مَوْضِعَيْن‏:‏

فِي الِابْتِدَاء‏:‏ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 184‏]‏، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 237‏]‏‏.‏

وَبَعْدَ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى غَيْرِ الْيَقِين‏:‏ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ‏}‏ ‏[‏الْحَدِيد‏:‏ 16‏]‏، ‏{‏وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 216‏]‏‏.‏ وَنَصْبٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 52‏]‏، ‏{‏وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 37‏]‏، ‏{‏فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 79‏]‏‏.‏ وَخَفْضٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 129‏]‏‏.‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏}‏ ‏[‏الْمُنَافِقُونَ‏:‏ 10‏]‏‏.‏

وَ‏(‏أَنْ‏)‏ هَذِهِ مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ، وَتُوصَلُ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ، مُضَارِعًا كَمَا مَرَّ، وَمَاضِيًا نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 82‏]‏، ‏{‏وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 74‏]‏‏.‏

وَقَدْ يُرْفَعُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا إِهْمَالًا لَهَا، حَمْلًا عَلَى ‏(‏مَا‏)‏ أُخْتِهَا، كَقِرَاءَةِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ‏:‏ ‏(‏لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 233‏]‏‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ، فَتَقَعُ بَعْدَ فِعْلِ الْيَقِينِ أَوْ مَا نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 89‏]‏، ‏{‏عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏الْمُزَّمِّل‏:‏ 20‏]‏، ‏(‏وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُونَ‏)‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 71‏]‏ فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَنْزِلَةِ أَيْ‏:‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 27‏]‏، ‏{‏وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 43‏]‏‏.‏

وَشَرْطُهَا‏:‏ أَنْ تُسْبَقَ بِجُمْلَةٍ، فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ جَعَلَ مِنْهَا‏:‏ ‏{‏وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 10‏]‏‏.‏

وَأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا جُمْلَةٌ‏.‏

وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَمِنْهُ‏:‏ ‏{‏وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 6‏]‏ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِانْطِلَاقِ الْمَشْيَ، بَلِ انْطِلَاقَ أَلْسِنَتِهِمْ بِهَذَا الْكَلَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمَشْيَ الْمُتَعَارَفَ بَلِ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْمَشْيِ‏.‏

وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الَّتِي فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 68‏]‏ مُفَسَّرَةٌ، بِأَنْ قَبْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏}‏، وَالْوَحْيُ هَنَا إِلْهَامٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ فِي الْإِلْهَامِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ‏:‏ بِاتِّخَاذِ الْجِبَالِ‏.‏

وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ أَحْرُفُ الْقَوْلِ‏.‏

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 117‏]‏‏:‏ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِلْقَوْلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِالْأَمْرِ، أَيْ‏:‏ مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَهُوَ حَسَنٌ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ فِي الضَّابِطِ أَنْ لَا تَكُونَ فِيهِ حُرُوفٌ إِلَّا وَالْقَوْلُ مُئَوَّلٌ بِغَيْرِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ، كَوْنُهُمْ يَشْرُطُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ، فَإِذَا جَاءَ لَفْظُهُ أَوَّلُوهُ بِمَا فِيهِ مَعْنَاهُ مَعَ صَرِيحِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِهِمْ ‏(‏أَلْ‏)‏ فِي ‏(‏الْآنَ‏)‏ زَائِدَةً، مَعَ قَوْلِهِمْ بِتَضَمُّنِهَا مَعْنَاهَا‏.‏

وَأَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَقَعَ بَعْدَ لَمَّا التَّوْقِيتِيَّةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا‏}‏ ‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ‏:‏ أَنَّهَا تَنْصِبُ الْمُضَارِعَ وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَخَرَّجَ عَلَيْه‏:‏ ‏{‏وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 246‏]‏، ‏{‏وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ‏}‏ ‏[‏إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 12‏]‏، قَالَ‏:‏ فَهِيَ زَائِدَةٌ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏وَمَا لَنَا أَلَّا نُؤْمِنَ بِاللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 84‏]‏‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَالْمَكْسُورَةِ، قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ‏.‏ وَخَرَّجُوا عَلَيْه‏:‏ ‏{‏أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 282‏]‏، ‏{‏أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 2‏]‏، ‏{‏صَفْحًا إِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ‏}‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 5‏]‏‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَيُرَجِّحُهُ عِنْدِي تَوَارُدُهُمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ التَّوَافُقُ، وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَدُخُولُ الْفَاءِ بَعْدَهَا فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏فَتُذَكِّرَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 282‏]‏‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 73‏]‏ أَيْ‏:‏ لَا يُؤْتَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ‏:‏ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى، أَيْ‏:‏ بِإِيتَاءِ أَحَدٍ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 2‏]‏، ‏{‏يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا‏}‏ ‏[‏الْمُمْتَحِنَة‏:‏ 1‏]‏ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَقَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ‏.‏

الثَّامِنُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لِئَلَّا، قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 176‏]‏، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا‏.‏

‏[‏إِنَّ‏]‏

إِنَّ‏:‏ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ التَّأْكِيدُ وَالتَّحْقِيقُ، وَهُوَ الْغَالِبُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 173‏]‏، ‏{‏إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 16‏]‏‏.‏

قَالَ‏:‏ عَبْدُ الْقَاهِر‏:‏ وَالتَّأْكِيدُ بِهَا أَقْوَى مِنَ التَّأْكِيدِ بِاللَّامِ، قَالَ‏:‏ وَأَكْثَرُ مَوَاقِعِهَا- بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ- وَالْجَوَابُ لِسُؤَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ مُقَدَّرٍ، إِذَا كَانَ لِلسَّائِلِ فِيهِ ظَنٌّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ التَّعْلِيلُ، أَثْبَتَهُ ابْنُ جِنِّي وَأَهْلُ الْبَيَانِ، وَمَثَّلُوهُ بِنَحْو‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الْمُزَّمِّل‏:‏ 20‏]‏، ‏{‏وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 103‏]‏، ‏{‏وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 53‏]‏، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّأْكِيدِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ مَعْنَى نَعَمْ، أَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْمُبَرِّدُ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 63‏]‏‏.‏

‏[‏أَنَّ‏]‏

أَنَّ‏:‏ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى وَجْهَيْن‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ حَرْفَ تَأْكِيدٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَرْعُ الْمَكْسُورَةِ، وَأَنَّهَا مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ تُئَوَّلُ مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا بِالْمَصْدَرِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُشْتَقًّا بِالْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏الطَّلَاق‏:‏ 12‏]‏ أَيْ‏:‏ قُدْرَتُهُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ جَامِدًا قُدِّرَ بِالْكَوْنِ‏.‏

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُهَا لِلتَّأْكِيد‏:‏ بِأَنَّكَ لَوْ صَرَّحْتَ بِالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ تَأْكِيدًا؛ وَأُجِيبُ‏:‏ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْحَلِّ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْسُورَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْمَكْسُورَةِ لِلْإِسْنَادِ، وَهَذِهِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَكُونَ لُغَةً فِي ‏(‏لَعَلَّ‏)‏ وَخَرَّجَ عَلَيْهَا‏:‏ ‏{‏وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 109‏]‏، فِي قِرَاءَةِ الْفَتْحِ، أَيْ‏:‏ لَعَلَّهَا‏.‏

‏[‏أَنَّى‏]‏

أَنَّى‏:‏ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالشَّرْطِ‏.‏

فَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ‏:‏ فَتَرِدُ فِيهِ بِمَعْنَى كَيْفَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 259‏]‏، ‏{‏أَنَّى يُؤْفَكُونَ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 30‏]‏‏.‏ وَمِنْ أَيْنَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَنَّى لَكِ هَذَا‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 37‏]‏، أَيْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا‏:‏ أَيْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ جَاءَنَا‏.‏

قَالَ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ‏:‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ‏(‏أَيْنَ‏)‏ وَ‏(‏مِنْ أَيْنَ‏)‏ أَنَّ ‏(‏أَيْنَ‏)‏ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الشَّيْءُ، وَ‏(‏مِنْ أَيْنَ‏)‏ سُؤَالٌ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي بَرَزَ مِنْهُ الشَّيْءُ‏.‏ وَجُعِلَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا قُرِئَ شَاذًّا‏:‏ ‏(‏أَنَّى صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا‏)‏‏.‏

وَبِمَعْنَى مَتَى، وَقَدْ ذُكِرَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 223‏]‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَاخْتَارَهُ، وَأَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَأَخْرَجَ قَوْلًا رَابِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهَا بِمَعْنَى‏:‏ ‏(‏حَيْثُ شِئْتُمْ‏)‏‏.‏

وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ شَرْطِيَّةٌ، وَحُذِفَ جَوَابُهَا لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَاكْتَفَتْ بِمَا بَعْدَهَا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، أَنْ تَكْتَفِيَ بِمَا بَعْدَهَا؛ أَيْ‏:‏ تَكُونَ كَلَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا‏.‏

‏[‏أَوْ‏]‏

أَوْ‏:‏ حَرْفُ عَطْفٍ تَرِدُ لِمَعَانٍ‏:‏

الشَّكُّ مِنَ الْمُتَكَلِّم‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 113‏]‏‏.‏

وَالْإِبْهَامُ عَلَى السَّامِع‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏سَبَإٍ‏:‏ 24‏]‏‏.‏

وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْن‏:‏ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَالْإِبَاحَةُ بِأَلَّا يَمْتَنِعَ الْجَمْعُ‏:‏

وَمُثِّلَ الثَّانِي بِقَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏النُّور‏:‏ 61‏]‏ وَمُثِّلَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 196‏]‏‏.‏ وَقوله‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 89‏]‏‏.‏

وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْجَمْعَ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ‏.‏

وَأَجَابَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ بِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ كُلِّ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ، بَلْ يَقَعُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ كَفَّارَةً أَوْ فَدِيَةً، وَالْبَاقِي قُرْبَةً مُسْتَقِلَّةً خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ قوله‏:‏ ‏{‏أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 33‏]‏‏.‏

عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ بَلْ يَفْعَلُ مِنْهَا وَاحِدًا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ‏.‏

وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَال‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 135‏]‏، ‏(‏إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‏)‏ ‏[‏الذَّارِيَات‏:‏ 52‏]‏ أَيْ‏:‏ قَالَ بَعْضُهُمْ كَذَا وَبَعْضُهُمْ كَذَا‏.‏

وَالْإِضْرَابُ كَـ ‏(‏بَلْ‏)‏ وَخَرَّجَ عَلَيْه‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ ‏[‏الصَّافَّات‏:‏ 147‏]‏، ‏{‏فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى‏}‏ ‏[‏النَّجْم‏:‏ 9‏]‏ وَقِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ ‏{‏أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 100‏]‏ بِسُكُونِ الْوَاوِ‏.‏

وَمُطْلَقُ الْجَمْعِ كَالْوَاو‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 44‏]‏، ‏{‏لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 113‏]‏‏.‏

وَالتَّقْرِيبُ‏:‏ ذَكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ وَأَبُو الْبَقَاءِ، وَجُعِلَ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 77‏]‏‏.‏

وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْرِيبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ غَيْرِهَا‏.‏

وَمَعْنَى ‏(‏إِلَّا‏)‏ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَى ‏(‏إِلَى‏)‏‏:‏ وَهَاتَانِ يُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهُمَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ، وَخُرِّجَ عَلَيْهَا‏:‏ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 236‏]‏‏.‏

فَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ مَنْصُوبٌ لَا مَجْزُومٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَسُّوهُنَّ، لِئَلَّا يَصِيرَ الْمَعْنَى‏:‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُهُورِ النِّسَاءِ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ‏.‏ مَعَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَى الْفَرْضُ دُونَ الْمَسِيسِ لَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِذَا انْتَفَى الْمَسِيسُ دُونَ الْفَرْضِ لَزِمَ نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ‏؟‏‏!‏ وَلِأَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ قَدْ ذُكِرْنَ ثَانِيًا بِقَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ‏}‏ الْآيَةَ وَتُرِكَ ذِكْرُ الْمَمْسُوسَاتِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَفْهُومِ، وَلَوْ كَانَتْ ‏{‏تَفْرِضُوا‏}‏ مَجْزُومًا لَكَانَتِ الْمَمْسُوسَاتُ وَالْمَفْرُوضُ لَهُنَّ مُسْتَوِيَاتٍ فِي الذِّكْرِ‏.‏ وَإِذَا قُدِّرَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِمَعْنَى ‏(‏إِلَّا‏)‏ خَرَجَتِ الْمَفْرُوضُ لَهُنَّ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمَمْسُوسَاتِ فِي الذِّكْرِ، وَكَذَا إِذَا قُدِّرَتْ بِمَعْنَى ‏(‏إِلَى‏)‏ وَتَكُونُ غَايَةً لِنَفْيِ الْجُنَاحِ لَا لِنَفْيِ الْمَسِيسِ‏.‏

وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ عَنِ الْأَوَّل‏:‏ بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَعْنَى مُدَّةَ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، بَلْ مُدَّةً لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ بِنَفْيِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الصَّرِيحِ‏.‏

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الثَّانِي‏:‏ بِأَنَّ ذِكْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، إِنَّمَا كَانَ لِتَيَقُّنِ النِّصْفِ لَهُنَّ، لَا لِبَيَانِ أَنَّ لَهُنَّ شَيْئًا فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

وَمِمَّا خُرِّجَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ أُبَيٍّ‏:‏ ‏(‏تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا‏)‏‏.‏

تَنْبِيهَاتٌ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ لَمْ يَذْكُرِ الْمُتَقَدِّمُونَ لِـ ‏(‏أَوْ‏)‏ هَذِهِ الْمَعَانِيَ، بَلْ قَالُوا‏:‏ هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ‏.‏ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَالْمَعَانِي الْمَذْكُورَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْقَرَائِنِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ قَالَ أَبُو الْبَقَاء‏:‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي النَّهْيِ نَقِيضَةُ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي الْإِبَاحَةِ، فَيَجِبُ اجْتِنَابُ الْأَمْرَيْنِ، كَقَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَان‏:‏ 24‏]‏، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا، فَلَوْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَانَ فِعْلًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي مِثْلِ هَذَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، تُفِيدُ الْجَمْعَ‏.‏

وَقَالَ الطَّيْبِيُّ‏:‏ الْأَوْلَى أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ التَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنَ النَّهْيِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَ النَّهْي‏:‏ ‏(‏تُطِعْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا‏)‏، أَيْ‏:‏ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَإِذَا جَاءَ النَّهْيُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانَ ثَابِتًا، فَالْمَعْنَى‏:‏ لَا تُطِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَالتَّعْمِيمُ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ النَّهْيِ، وَهِيَ عَلَى بَابِهَا‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ لِكَوْنِ مَبْنَاهَا عَلَى عَدَمِ التَّشْرِيكِ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَى مُفْرَدَيْهَا بِالْإِفْرَادِ، بِخِلَافِ الْوَاوِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 135‏]‏‏.‏ فَقِيلَ‏:‏ إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الْخَصْمَانِ غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَإِذَا كَانَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ فَلِلتَّخْيِيرِ، إِلَّا قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 33‏]‏ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا أَقُولُ‏.‏

أَوْلَى‏:‏ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى‏}‏ ‏[‏الْقِيَامَة‏:‏ 34‏]‏، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَوْلَى لَهُمْ‏}‏ ‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 20‏]‏، قَالَ‏:‏ فِي الصِّحَاح‏:‏ قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏(‏أَوْلَى لَكَ‏)‏ كَلِمَةُ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

فَأَوْلَى لَهُ ثُمَّ أَوْلَى لَهُ

قَالَ‏:‏ الْأَصْمَعِيُّ فَمَعْنَاهُ قَارَبَهُ مَا يُهْلِكُهُ، أَيْ‏:‏ نَزَلَ بِهِ‏.‏ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ‏.‏‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ وَلِيَكَ شَرٌّ بَعْدَ شَرٍّ، وَ‏(‏لَكَ‏)‏ تَبْيِينٌ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ هُوَ عَلَمٌ لِلْوَعِيدِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَلِذَا لَمْ يُنَوَّنْ، وَإِنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَكَ الْخَبَرُ، وَوَزْنُهُ عَلَى هَذَا ‏(‏فَعْلَى‏)‏، وَالْأَلِفُ لِلْإِلْحَاقِ وَقِيلَ‏:‏ ‏(‏أَفْعَلْ‏)‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَاهُ الْوَيْلُ لَكَ، وَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ ‏(‏أَوَيْلُ‏)‏ فَأُخِّرَ حَرْفُ الْعِلَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَنْسَاء‏:‏

هَمَمْتُ لِنَفْسِي بَعْضِ الْهُمُومِ *** فَأَوْلَى لِنَفْسِي أَوْلَى لَهَا

وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ الذَّمُّ لَكَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي الْكَلَامِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ الْمَعْنَى‏:‏ أَنْتَ أَوْلَى وَأَجْدَرُ بِهَذَا الْعَذَابِ‏.‏

وَقَالَ ثَعْلَبٌ‏:‏ ‏(‏أَوْلَى لَكَ‏)‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ مُقَارَبَةُ الْهَلَاكِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ‏:‏ قَدْ وُلِّيتُ الْهَلَاكَ، أَوْ قَدْ دَانَيْتُ الْهَلَاكَ، أَصْلُهُ مِنَ الْوُلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَمِنْهُ‏:‏ ‏{‏قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 123‏]‏، أَيْ‏:‏ يَقْرُبُونَ مِنْكُمْ‏.‏

وَقَالَ النَّحَّاسُ‏:‏ الْعَرَبُ تَقُولُ‏:‏ أَوْلَى لَكَ، أَيْ‏:‏ كِدْتَ تَهْلِكُ، وَكَأَنَّ تَقْدِيرَهُ‏:‏ أَوْلَى لَكَ الْهَلَكَةُ‏.‏

‏[‏إِي‏]‏

إِي‏:‏ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ، حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ، فَتَكُونُ لِتَصْدِيقِ الْمُخْبِرِ، وَلِإِعْلَامِ الْمُسْتَخْبِرِ، وَلِوَعْدِ الطَّالِبِ‏.‏ قَالَ النُّحَاةُ وَلَا تَقَعُ إِلَّا قَبْلَ الْقَسَمِ‏.‏

قَالَ ابْنُ الْحَاجِب‏:‏ وَإِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 53‏]‏‏.‏

‏[‏أَيُّ‏]‏

أَيُّ‏:‏ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى أَوْجُهٍ حرف ‏(‏أي‏)‏ مَعْنَاهُ وَاسْتِعْمَاله‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 28‏]‏، ‏{‏أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 110‏]‏‏.‏‏:‏

الثَّانِي‏:‏ اسْتِفْهَامِيَّةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 124‏]‏، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ بِهَا عَمَّا يُمَيِّزُ أَحَدَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي أَمْرٍ يَعُمُّهُمَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 73‏]‏ أَيْ أَنَحْنُ أَمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ مَوْصُولَةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 69‏]‏‏.‏

وَهِيَ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُعْرَبَةٌ، وَتُبْنَى فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ عَلَى الضَّمِّ إِذَا حُذِفَ عَائِدُهَا وَأُضِيفَتْ كَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ‏.‏ وَأَعْرَبَهَا الْأَخْفَشُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ بَعْضِهِمْ بِالنَّصْبِ، وَأَوَّلَ قِرَاءَةَ الضَّمِّ عَلَى الْحِكَايَةِ، وَأَوَّلَهَا غَيْرُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ لِلْفِعْلِ، وَأَوَّلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَام‏:‏ لَنَنْزِعَنَّ بَعْضَ كُلِّ شِيعَةٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ مَنْ هَذَا الْبَعْضُ‏؟‏ فَقِيلَ‏:‏ هُوَ الَّذِي أَشَدُّ، ثُمَّ حُذِفَ الْمُبْتَدَآنِ الْمُكْتَنِفَانِ لِأَيٍّ‏.‏

وَزَعَمَ ابْنُ الطَّرَاوَة‏:‏ أَنَّهَا فِي الْآيَةِ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ مَبْنِيَّةٌ؛ وَأَنَّ ‏(‏هُمْ أَشَدُّ‏)‏ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَرُدَّ‏:‏ بِرَسْمِ الضَّمِيرِ مُتَّصِلًا بِأَيِّ، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِعْرَابِهَا إِذَا لَمْ تُضَفْ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ وَصْلَةً إِلَى نِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ، نَحْوَ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ‏.‏

‏[‏إِيَّا‏]‏

إِيَّا‏:‏ زَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّهَا اسْمٌ ظَاهِرٌ، وَالْجُمْهُورُ ضَمِيرٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ كُلَّهُ ضَمِيرٌ، وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ، وَمَا بَعْدَهُ اسْمٌ مُضَافٌ لَهُ يُفَسِّرُ مَا يُرَادُ بِهِ مِنْ تَكَلُّمٍ وَغَيْبَةٍ وَخِطَابٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 51‏]‏، ‏{‏بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 41‏]‏، ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏ ‏[‏الْفَاتِحَة‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهُ وَحْدَهُ ضَمِيرٌ، وَمَا بَعْدَهُ حُرُوفٌ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ‏.‏

وَالرَّابِعُ‏:‏ أَنَّهُ عِمَادٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الضَّمِيرُ‏.‏ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ‏.‏

وَفِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهَا‏:‏ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ، وَإِبْدَالِهَا هَاءً مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً، هَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، يَسْقُطُ مِنْهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ مَعَ التَّشْدِيدِ‏.‏

‏[‏أَيَّانَ‏]‏

أَيَّانَ‏:‏ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْهَمُ بِهِ عَنِ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَيَّانَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا‏.‏

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَعَانِي مَجِيئَهَا لِلْمَاضِي‏.‏

وَقَالَ السَّكَّاكِيُّ‏:‏ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي مَوَاضِعِ التَّفْخِيمِ، نَحْوَ‏:‏ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 187‏]‏، ‏{‏أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ‏}‏ ‏[‏الذَّارِيَات‏:‏ 12‏]‏‏.‏

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّحَاةِ أَنَّهَا كَمَتَى، تُسْتَعْمَلُ فِي التَّفْخِيمِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ بِالْأَوَّلِ مِنَ النُّحَاةِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرَّبَعِيُّ، وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الشَّيْءِ الْمُعَظَّمِ أَمْرُهُ‏.‏

وَفِي الْكَشَّاف‏:‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَيِّ، ‏(‏فَعْلَانَ‏)‏ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ أَيَّ وَقْتٍ وَأَيَّ فِعْلٍ، مِنْ آوَيْتُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ آوٍ إِلَى الْكُلِّ وَمُتَسَانِدٌ بَدَلَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ أَصْلُهُ أَيُّ آنٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ أَيُّ أَوَانٍ، حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ ‏(‏أَوَانٍ‏)‏، وَالْيَاءُ الثَّانِيَةُ مِنْ ‏(‏أَيِّ‏)‏‏:‏ وَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ السَّاكِنَةُ فِيهَا‏.‏

وَقُرِئَ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا‏.‏

‏[‏أَيْنَ‏]‏

أَيْنَ‏:‏ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْمَكَانِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ‏}‏ ‏[‏التَّكْوِير‏:‏ 26‏]‏‏.‏ وَتَرِدُ شَرْطًا عَامًّا فِي الْأَمْكِنَةِ، وَأَيْنَمَا أَعَمُّ مِنْهَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 76‏]‏‏.‏

الْبَاءُ الْمُفْرَدَةُ‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ مَا قِيلَ فِي استعمالات الْبَاء الْمُفْرَدَة‏:‏

أَشْهَرُهَا‏:‏ الْإِلْصَاقُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا سِيبَوَيْهِ غَيْرَهُ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا، قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبِّ‏:‏ وَهُوَ تَعَلُّقُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ‏.‏

ثُمَّ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 6‏]‏ أَيْ أَلْصِقُوا الْمَسْحَ بِرُءُوسِكُمْ ‏{‏فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 6‏]‏‏.‏ وَقَدْ يَكُونُ مَجَازًا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 30‏]‏ أَيْ‏:‏ بِمَكَانٍ يَقْرُبُونَ مِنْهُ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ التَّعْدِيَةُ كَالْهَمْزَةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 17‏]‏، ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 20‏]‏ أَيْ‏:‏ أَذْهَبَهُ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَاب‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَالسُّهَيْلِيُّ‏:‏ أَنَّ بَيْنَ تَعْدِيَةِ الْبَاءِ وَالْهَمْزَةِ فَرْقًا، وَأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ‏:‏ ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ، كُنْتَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي الذَّهَابِ‏.‏ وَرَدَّ بِالْآيَةِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ الِاسْتِعَانَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ، كَبَاءِ الْبَسْمَلَةِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ السَّبَبِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ‏}‏ ‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 40‏]‏، ‏{‏ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 54‏]‏، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِالتَّعْلِيلِ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ الْمُصَاحَبَةُ كَمَعَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏اهْبِطْ بِسَلَامٍ‏}‏ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 48‏]‏، ‏{‏قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 170‏]‏، ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏الْحِجْر‏:‏ 98‏]‏‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، زَمَانًا وَمَكَانًا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ‏}‏ ‏[‏الْقَمَر‏:‏ 34‏]‏، ‏{‏وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 123‏]‏‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ الِاسْتِعْلَاءُ كَعَلَى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 75‏]‏‏.‏ أَيْ عَلَيْهِ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 64‏]‏‏.‏

الثَّامِنُ‏:‏ الْمُجَاوَزَةُ كَعَنْ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الْفُرْقَان‏:‏ 59‏]‏، أَيْ‏:‏ عَنْهُ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَاب‏:‏ 20‏]‏‏.‏

ثُمَّ قِيلَ‏:‏ تَخْتَصُّ بِالسُّؤَالِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ‏}‏ ‏[‏التَّحْرِيم‏:‏ 8‏]‏، أَيْ‏:‏ ‏{‏وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ‏}‏‏.‏ ‏{‏وَيَوْمَ تَشَقُّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ‏}‏ ‏[‏الْفُرْقَان‏:‏ 25‏]‏، أَيْ‏:‏ عَنْهُ‏.‏

التَّاسِعُ‏:‏ التَّبْعِيضُ كَمِنْ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَان‏:‏ 6‏]‏ أَيْ مِنْهَا‏.‏

الْعَاشِرُ‏:‏ الْغَايَةُ كَإِلَى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ أَحْسَنَ بِي‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 100‏]‏، أَيْ‏:‏ إِلَى‏.‏

الْحَادِيَ عَشَرَ‏:‏ الْمُقَابَلَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَعْوَاضِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 32‏]‏، وَإِنَّمَا لَمْ نُقَدِّرْهَا بَاءَ السَّبَبِيَّةِ- كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ- لِأَنَّ الْمُعْطِيَ بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا، وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ‏.‏

الثَّانِي عَشَرَ‏:‏ التَّوْكِيدُ، وَهِيَ الزَّائِدَةُ‏:‏

فَتُزَادُ فِي الْفَاعِلِ وُجُوبًا فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 38‏]‏، وَجَوَازًا غَالِبًا فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 79‏]‏، فَإِنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ فَاعِلٌ، وَ‏(‏شَهِيدًا‏)‏ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوِ التَّمْيِيزِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَدَخَلَتْ لِتَأْكِيدِ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ فِي قَوْلِه‏:‏ وَكَفَى بِاللَّهِ مُتَّصِلٌ بِالْفِعْلِ اتِّصَالَ الْفَاعِلِ‏.‏

قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيّ‏:‏ وَفَعَلَ ذَلِكَ إِيذَانًا بِأَنَّ الْكِفَايَةَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي عِظَمِ الْمَنْزِلَةِ، فَضُوعِفَ لَفْظُهَا لِتَضَاعُفِ مَعْنَاهَا‏.‏ وَقَالَ الزَّجَّاجُ‏:‏ دَخَلَتْ لِتُضَمِّنَ ‏(‏كَفَى‏)‏ مَعْنَى ‏(‏أَكْتَفِي‏)‏‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَهُوَ مِنَ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ الْفَاعِلُ مُقَدَّرٌ، وَالتَّقْدِيرُ‏:‏ كَفَى الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ، فَحُذِفَ الْمَصْدَرُ وَبَقِيَ مَعْمُولُهُ دَالًّا عَلَيْهِ‏.‏

وَلَا تُزَادُ فِي فَاعِلِ ‏(‏كَفَى‏)‏ بِمَعْنَى وَقَى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 137‏]‏، ‏{‏وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَاب‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وَفِي الْمَفْعُولِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 195‏]‏، ‏{‏وَهَزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 25‏]‏‏.‏ ‏{‏فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 15‏]‏، ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وَفِي الْمُبْتَدَإِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏}‏ ‏[‏الْقَلَم‏:‏ 6‏]‏ أَيْ‏:‏ أَيُّكُمْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ هِيَ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ‏:‏ فِي أَيِّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ‏.‏

وَفِي اسْمِ لَيْسَ، فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 177‏]‏، بِنَصْبِ الْبِرِّ‏.‏

وَفِي الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 74‏]‏، قِيلَ‏:‏ وَالْمُوجَبِ، وَخَرَّجَ عَلَيْه‏:‏ ‏{‏جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 27‏]‏‏.‏

وَفِي التَّوْكِيدِ، وَجُعِلَ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 228‏]‏‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏ اخْتُلِفَ فِي الْبَاءِ، مِنْ قَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ فَقِيلَ‏:‏ لِلْإِلْصَاقِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِلتَّبْعِيضِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ زَائِدَةٌ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِلِاسْتِعَانَةِ‏.‏ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا وَقَلْبًا، فَإِنَّ ‏(‏مَسَحَ‏)‏ يَتَعَدَّى إِلَى الْمُزَالِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ، وَإِلَى الْمُزِيلِ بِالْبَاءِ، فَالْأَصْلُ‏:‏ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ بِالْمَاءِ‏.‏

‏[‏بَلْ‏]‏

بَلْ‏:‏ حَرْفُ إِضْرَابٍ إِذَا تَلَاهَا جُمْلَةٌ‏.‏

ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ مَعْنَى الْإِضْرَابِ الْإِبْطَالَ لِمَا قَبْلَهَا‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 26‏]‏- أَيْ‏:‏ بَلْ هُمْ عِبَادٌ‏.‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 70‏]‏‏.‏

وَتَارَةً يَكُونُ مَعْنَاهُ الِانْتِقَالَ مِنْ غَرَضٍ إِلَى آخَرَ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 62- 63‏]‏‏.‏

فَمَا قَبْلَ بَلْ فِيهِ عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا‏}‏ ‏[‏الْأَعْلَى‏:‏ 15- 16‏]‏‏.‏

وَذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ كَافِيَتِه‏:‏ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَوَهَّمَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَسَبَقَ ابْنَ مَالِكٍ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّل‏:‏ إِبْطَالُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُهُ لِلثَّانِي إِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ بَابِ الْغَلَطِ، فَلَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

أَمَّا إِذَا تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ، وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ‏.‏

‏[‏بَلَى‏]‏

بَلَى‏:‏ حَرْفٌ أَصْلِيُّ الْأَلِفِ معنى‏(‏بلى‏)‏ وَمَا قِيلَ في استعمالاتها، وَقِيلَ‏:‏ الْأَصْلُ ‏(‏بَلْ‏)‏ وَالْأَلِفُ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ‏:‏ هِيَ لِلتَّأْنِيثِ بِدَلِيلِ إِمَالَتِهَا‏.‏

وَلَهَا مَوْضِعَان‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ رَدًّا لِنَفْيٍ يَقَعُ قَبْلَهَا‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 28‏]‏ أَيْ‏:‏ عَمِلْتُمُ السُّوءَ، ‏{‏لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 38‏]‏ أَيْ‏:‏ يَبْعَثُهُمْ، ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ‏}‏ ‏[‏التَّغَابُن‏:‏ 7‏]‏، ‏{‏قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 75‏]‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ بَلَى ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 76‏]‏‏.‏ أَيْ‏:‏ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ ‏{‏وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 111‏]‏، ثُمَّ قَالَ بَلَى ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 112‏]‏ أَيْ‏:‏ يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ، ‏{‏وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 80‏]‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ بَلَى ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 81‏]‏، أَيْ‏:‏ تَمَسُّهُمْ وَيُخَلَّدُونَ فِيهَا‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَنْ تَقَعَ جَوَابًا لِاسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى نَفْيٍ فَتُفِيدُ إِبْطَالَهُ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ حَقِيقِيًّا نَحْوَ‏:‏ أَلَيْسَ زَيْدٌ بِقَائِمٍ‏؟‏ فَتَقُولُ‏:‏ بَلَى‏.‏ أَوْ تَوْبِيخًا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى‏}‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 80‏]‏، ‏{‏أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى‏}‏ ‏[‏الْقِيَامَة‏:‏ 3- 4‏]‏‏.‏ أَوْ تَقْرِيرِيًّا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 172‏]‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ‏:‏ لَوْ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، كَفَرُوا‏.‏

وَوَجْهُهُ‏:‏ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِلْمُخْبِرِ بِنَفْيٍ أَوْ إِيجَابٍ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لَسْتَ رَبَّنَا، بِخِلَافِ بَلَى، فَإِنَّهَا لِإِبْطَالِ النَّفْيِ، فَالتَّقْدِيرُ‏:‏ أَنْتَ رَبُّنَا‏.‏

وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ خَبَرٌ مُوجَبٌ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ سِيبَوَيْهِ مِنْ جَعْلِ أَمْ مُتَّصِلَةً فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ‏}‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 51- 52‏]‏؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْإِيجَابِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ إِيجَابٌ فَنَعَمْ بَعْدَ الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِمْ أَنَّ ‏(‏بَلَى‏)‏ لَا يُجَابُ بِهَا عَنِ الْإِيجَابِ اتِّفَاقًا‏.‏

‏[‏بِئْسَ‏]‏

بِئْسَ‏:‏ فِعْلٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ، لَا يَتَصَرَّفُ‏.‏

‏[‏بَيْنَ‏]‏

بَيْنَ‏:‏ قَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْخَلَلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَوَسَطَهُمَا، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 32‏]‏‏.‏

وَتَارَةً تُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا وَتَارَةً اسْمًا استعمالات‏(‏بين‏)‏الظرفية، فَمِنَ الظَّرْف‏:‏ ‏{‏لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَات‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏{‏فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً‏}‏ ‏[‏الْمُجَادَلَة‏:‏ 12‏]‏‏.‏ ‏{‏فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 22‏]‏‏.‏

وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَهُ مَسَافَةٌ، نَحْوَ‏:‏ بَيْنَ الْبُلْدَانِ، أَوْ لَهُ عَدَدٌ مَا‏:‏ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، نَحْوَ‏:‏ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَبَيْنَ الْقَوْمِ، وَلَا يُضَافُ إِلَى مَا يَقْتَضِي مَعْنَى الْوَحْدَةَ إِلَّا إِذَا كُرِّرَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ‏}‏ ‏[‏فُصِّلَتْ‏:‏ 5‏]‏، ‏{‏فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 58‏]‏‏.‏

وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 94‏]‏، بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَصْلِ‏.‏

وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَاتَ بَيْنِكُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْفَال‏:‏ 1‏]‏‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 61‏]‏ أَيْ‏:‏ فِرَاقِهِمَا‏.‏

‏[‏التَّاءُ‏]‏

التَّاءُ‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ مَعْنَاهُ الْقَسَمُ، يَخْتَصُّ بِالتَّعَجُّبِ وَبِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ قَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 57‏]‏‏:‏ الْبَاءُ أَصْلُ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَفِيهَا زِيَادَةُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ تَسَهُّلِ الْكَيْدِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَأَتِّيهِ مَعَ عُتُوِّ نَمْرُوذَ وَقَهْرِهِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

‏[‏تَبَارَكَ‏]‏

تَبَارَكَ‏:‏ فِعْلٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا لِلَّهِ‏.‏

‏[‏تَعَالَ‏]‏

تَعَالَ‏:‏ فِعْلُ أَمْرٍ، لَا يَتَصَرَّفُ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ‏:‏ إِنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ‏.‏

‏[‏ثُمَّ‏]‏

ثُمَّ‏:‏ حَرْفٌ يَقْتَضِي ثَلَاثَةَ أُمُورٍ‏:‏

التَّشْرِيكُ فِي الْحُكْمِ، وَالتَّرْتِيبُ، وَالْمُهْلَةُ، وَفِي كُلٍّ خِلَافٌ‏.‏

أَمَّا التَّشْرِيكُ فَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ، بِأَنْ تَقَعَ زَائِدَةً، فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً أَلْبَتَّةَ، وَخَرَّجُوا عَلَى ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 118‏]‏‏.‏

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مُقَدَّرٌ‏.‏

وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَالْمُهْلَةُ فَخَالَفَ قَوْمٌ فِي اقْتِضَائِهَا إِيَّاهُمَا، تَمَسُّكًا بِقَوْلِه‏:‏ ‏{‏خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏ ‏[‏الزُّمَر‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ‏{‏وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ‏}‏ ‏[‏السَّجْدَة‏:‏ 7- 9‏]‏، ‏{‏وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 82‏]‏‏.‏ وَالِاهْتِدَاءُ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ، ‏{‏ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 153- 154‏]‏‏.‏

وَأُجِيبُ‏:‏ عَنِ الْكُلِّ بِأَنَّ ثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ حرف ‏(‏ثم‏)‏ مَعْنَاهُ وَاسْتِعْمَالَاته‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَغَيْرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْفَعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُصَحِّحُ التَّرْتِيبَ فَقَطْ لَا الْمُهْلَةَ، إِذْ لَا تَرَاخِيَ بَيْنَ الْإِخْبَارَيْنِ‏.‏ وَالْجَوَابُ الْمُصَحَّحُ لَهُمَا مَا قِيلَ فِي الْأُولَى‏:‏ إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ‏:‏ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏:‏ أَنْشَأَهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَفِي الثَّانِيَة‏:‏ أَنَّ ‏(‏سَوَّاهُ‏)‏ عُطِفَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّ الْمُرَادَ‏:‏ ثُمَّ دَامَ عَلَى الْهِدَايَةِ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

أَجْرَى الْكُوفِيُّونَ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ مَجْرَى الْفَاءِ وَالْوَاوِ، فِي جَوَازِ نَصْبِ الْمُضَارِعِ الْمَقْرُونِ بِهَا بَعْدَ فِعْلِ الشَّرْطِ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَن‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 100‏]‏ بِنَصْبِ يُدْرِكُهُ‏.‏

‏[‏ثَمَّ‏]‏

ثَمَّ‏:‏ بِالْفَتْحِ، اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ‏}‏ ‏[‏الشُّعَرَاء‏:‏ 64‏]‏ وَهُوَ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ، فَلِذَلِكَ غَلِطَ مَنْ أَعْرَبَهُ مَفْعُولًا لِـ ‏(‏رَأَيْتَ‏)‏ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَان‏:‏ 20‏]‏ وَقُرِئَ ‏(‏فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثَمَّ اللَّهِ‏)‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 46‏]‏ أَيْ‏:‏ هُنَالِكَ اللَّهُ شَهِيدٌ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 51‏]‏ مَعْنَاهُ‏:‏ هُنَالِكَ، وَلَيْسَتْ ثُمَّ الْعَاطِفَةَ‏.‏

وَهَذَا وَهْمٌ، أَشْبَهَ عَلَيْهِ الْمَضْمُومَةُ بِالْمَفْتُوحَةِ‏.‏

وَفِي التَّوْشِيحِ لِخَطَّابٍ‏:‏ ‏(‏ثَمَّ‏)‏ ظَرْفٌ فِيهِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى حَيْثُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي الْمَعْنَى‏.‏

جَعَلَ

قَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ فَعَلَ وَصَنَعَ، وَسَائِرِ أَخَوَاتِهَا‏.‏ وَيَتَصَرَّفُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ يَجْرِي مَجْرَى صَارَ وَطَفِقَ، وَلَا يَتَعَدَّى، نَحْوَ‏:‏ جَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ كَذَا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ مَجْرَى أَوْجَدَ، فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ فِي إِيجَادِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ وَتَكْوِينِهِ مِنْهُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 72‏]‏، ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 81‏]‏‏.‏

وَالرَّابِعُ‏:‏ فِي تَصْيِيرِ الشَّيْءِ عَلَى حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 22‏]‏، ‏{‏وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا‏}‏ ‏[‏نُوحٍ‏:‏ 16‏]‏‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ الْحُكْمُ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، حَقًّا كَانَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 7‏]‏‏.‏ أَوْ بَاطِلًا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 57‏]‏‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ‏}‏ ‏[‏الْحِجْر‏:‏ 91‏]‏‏.‏

‏[‏حَاشَا‏]‏

حَاشَا‏:‏ اسْمٌ بِمَعْنَى التَّنْزِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حَاشَا لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 51‏]‏‏.‏ ‏{‏حَاشَا لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 31‏]‏، لَا فِعْلٌ وَلَا حَرْفٌ، بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ‏:‏ ‏(‏حَاشًا لِلَّهِ‏)‏ بِالتَّنْوِينِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏بَرَاءَةٌ لِلَّهِ‏)‏ وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏حَاشَا اللَّهِ‏)‏ بِالْإِضَافَةِ كَـ ‏(‏مَعَاذَ اللَّهِ‏)‏، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَدُخُولِهَا عَلَى اللَّامِ فِي قِرَاءَةِ السَّبْعَةِ، وَالْجَارُّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْجَارِّ، وَإِنَّمَا تُرِكَ التَّنْوِينُ فِي قِرَاءَتِهِمْ لِبِنَائِهَا، لِشَبَهِهَا بِحَاشَا الْحَرْفِيَّةِ لَفْظًا‏.‏

وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا اسْمُ فِعْلٍ، مَعْنَاهُ‏:‏ أَتَبَرَّأُ وَتَبَرَّأْتُ، لِبِنَائِهَا‏.‏

وَرُدَّ بِإِعْرَابِهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ‏.‏

وَزَعَمَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ جِنِّي‏:‏ أَنَّهَا فِعْلٌ، وَأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَة‏:‏ جَانَبَ يُوسُفُ الْمَعْصِيَةَ لِأَجْلِ اللَّهِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى‏.‏

وَقَالَ الْفَارِسِيُّ‏:‏ حَاشَا فِعْلٌ مِنَ الْحَشَا، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، أَيْ‏:‏ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، أَيْ‏:‏ بَعُدَ مِمَّا رُمِيَ وَتَنَحَّى عَنْهُ، فَلَمْ يَغْشَهُ وَلَمْ يُلَابِسْهُ‏.‏

وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ حَاشَا إِلَّا اسْتِثْنَائِيَّةً‏.‏

‏[‏حَتَّى‏]‏

حَتَّى‏:‏ حَرْفٌ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ كَـ ‏(‏إِلَى‏)‏ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ‏:‏

فَتَنْفَرِدُ حَتَّى بِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إِلَّا الظَّاهِرَ، وَإِلَّا الْآخِرَ الْمَسْبُوقَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَوِ الْمُلَاقِيَ لَهُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ ‏[‏الْقَدْر‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وَأَنَّهَا لِإِفَادَةِ تَقَضِّي الْفِعْلِ قَبْلَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا‏.‏

وَأَنَّهَا لَا يُقَابَلُ بِهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ‏.‏

وَأَنَّهَا يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ الْمَنْصُوبُ بِأَنِ الْمَقْدَّرَةِ، وَيَكُونَانِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَخْفُوضٍ‏.‏

ثُمَّ لَهَا حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ‏:‏

مُرَادَفَةُ إِلَى‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 91‏]‏، أَيْ‏:‏ إِلَى رُجُوعِهِ‏.‏

وَمُرَادَفَةُ كَيِ التَّعْلِيلِيَّة‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 217‏]‏، وَ‏{‏لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفُضُوا‏}‏ ‏[‏الْمُنَافِقُونَ‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وَتَحْتَمِلُهَا‏:‏ ‏{‏فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَات‏:‏ 9‏]‏‏.‏

وَمُرَادَفَةُ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء‏:‏ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 102‏]‏‏.‏

مَسْأَلَةٌ‏:‏

مَتَى دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الَّتِي بَعْدَ ‏(‏إِلَى‏)‏ وَ‏(‏حَتَّى‏)‏ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا، أَوْ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ، فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ‏.‏

فَالْأَوَّلُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ‏{‏وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏، ‏{‏دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى دُخُولِ الْمَرَافِقِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 187‏]‏ دَلَّ النَّهْيُ عَنِ الْوِصَالِ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ اللَّيْلِ فِي الصِّيَامِ ‏{‏فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 280‏]‏‏.‏ فَإِنَّ الْغَايَةَ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا لَوَجَبَ الْإِنْظَارُ حَالَ الْيَسَارِ- أَيْضًا-، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ وَتَفْوِيتِ حَقِّ الدَّائِنِ‏.‏

وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏- وَهُوَ الْأَصَحُّ- تَدْخُلَ مَعَ ‏(‏حَتَّى‏)‏ دُونَ ‏(‏إِلَى‏)‏ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ فِي الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مَعَ الْقَرِينَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ ‏(‏إِلَى‏)‏ وَالدُّخُولُ مَعَ ‏(‏حَتَّى‏)‏، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَدْخُلُ فِيهِمَا عَلَيْهِ‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا فِيهِمَا، وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلَيْنِ فِي اسْتِوَائِهِمَا بِقَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 98‏]‏‏.‏ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏(‏حَتَّى حِينٍ‏)‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَرِدُ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً أَيْ‏:‏ حَرْفًا يُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ أَيْ‏:‏ تُسْتَأْنَفُ فَتَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعِيَّةِ وَالْمَاضِيَّةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 214‏]‏، بِالرَّفْعِ، ‏{‏حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 214 95‏]‏، ‏{‏حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 152‏]‏‏.‏

وَادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا فِي الْآيَاتِ جَارَّةٌ لِـ ‏(‏إِذَا‏)‏ وَلِـ ‏(‏أَنْ‏)‏ مُضْمَرَةٍ فِي الْآيَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ‏.‏

وَتَرِدُ عَاطِفَةً، وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِهَا قَلِيلٌ جِدًّا، وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَهُ الْكُوفِيُّونَ أَلْبَتَّةَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏ إِبْدَالُ حَائِهَا عَيْنًا لُغَةُ هُذَيْلٍ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏.‏

‏[‏حَيْثُ‏]‏

حَيْثُ‏:‏ ظَرْفُ مَكَانٍ استعمالات ‏(‏حيث‏)‏ الظَّرْفِيَّة‏.‏ قَالَ الْأَخْفَشُ‏:‏ وَتَرِدُ لِلزَّمَانِ‏.‏

مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، فَإِنَّ الْإِضَافَةَ إِلَى الْجُمَلِ كَلَا إِضَافَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قوله‏:‏ ‏{‏مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 27‏]‏‏:‏ مَا بَعْدَ حَيْثُ صِلَةٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةٍ إِلَيْهِ، يَعْنِي‏:‏ أَنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا، فَصَارَتْ كَالصِّلَةِ لَهَا، أَيْ‏:‏ كَالزِّيَادَةِ، وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْهَا‏.‏ وَفَهِمَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَرُدَّ عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُعْرِبُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَعَلَى الْفَتْحِ لِلتَّخْفِيفِ، وَتَحْتَمِلُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏مِنْ حَيْثِ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 182‏]‏ بِالْكَسْرِ‏.‏ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثَ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 124‏]‏ بِالْفَتْحِ‏.‏

وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ‏.‏

وَجَوَّزَ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهَا مَفْعُولًا بِهِ عَلَى السَّعَةِ، قَالُوا‏:‏ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ أَعْلَمَ مِنْهُ فِي مَكَانٍ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ اللَّهُ يَعْلَمُ نَفْسَ الْمَكَانِ الْمُسْتَحِقِّ لِوَضْعِ الرِّسَالَةِ، لَا شَيْئًا فِي الْمَكَانِ‏.‏ وَعَلَى هَذَا فَالنَّاصِبُ لَهَا ‏(‏يَعْلَمُ‏)‏ مَحْذُوفًا مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِـ ‏(‏أَعْلَمُ‏)‏ لَا بِهِ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ إِلَّا إِنْ أَوَّلْتَهُ بِعَالِمٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ الظَّاهِرُ إِقْرَارُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، وَتَضْمِينُ ‏(‏أَعْلَمَ‏)‏ مَعْنَى مَا يَتَعَدَّى إِلَى الظَّرْفِ، فَالتَّقْدِيرُ‏:‏ اللَّهُ أَنْفَذُ عِلْمًا حَيْثُ يَجْعَلُ، أَيْ‏:‏ هُوَ نَافِذُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

‏[‏دُونَ‏]‏

دُونَ‏:‏ تَرِدُ ظَرْفًا نَقِيضَ ‏(‏فَوْقَ‏)‏ ‏(‏دون الظرفية‏)‏ وَمَا قِيلَ فِي اسْتِعْمَالَاتهَا فَلَا تَتَصَرَّفُ عَلَى الْمَشْهُورِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ تَتَصَرَّفُ، وَبِالْوَجْهَيْنِ قُرِئَ‏:‏ ‏{‏وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ‏}‏ ‏[‏الْجِنّ‏:‏ 11‏]‏ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ‏.‏

وَتَرِدُ اسْمًا بِمَعْنَى ‏(‏غَيْرَ‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 24‏]‏ أَيْ‏:‏ غَيْرَهُ‏.‏

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَدْنَى مَكَانٍ مِنَ الشَّيْءِ‏.‏

وَتُسْتَعْمَلُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْحَالِ، نَحْوَ‏:‏ زَيْدٌ دُونَ عَمْرٍو، أَيْ‏:‏ فِي الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ‏.‏

وَاتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي تَجَاوُزِ حَدٍّ إِلَى حَدٍّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 144‏]‏ أَيْ‏:‏ لَا تُجَاوِزُوا وِلَايَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ‏.‏

‏[‏ذُو‏]‏

ذُو‏:‏ اسْمٌ بِمَعْنَى صَاحِبٍ، وُضِعَ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَصْفِ الذَّوَاتِ بِأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، كَمَا أَنَّ ‏(‏الَّذِي‏)‏ وُضِعَتْ صِلَةً إِلَى وَصْفِ الْمَعَارِفِ بِالْجُمَلِ‏.‏

وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُضَافًا‏.‏

وَلَا يُضَافُ إِلَى ضَمِيرٍ وَلَا مُشْتَقٍّ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عَالِمٍ عَلِيمٌ‏)‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 76‏]‏‏.‏

وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْعَالِمَ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْبَاطِلِ، أَوْ بِأَنَّ ذِي زَائِدَةٌ‏.‏

قَالَ السُّهَيْلِيُّ‏:‏ وَالْوَصْفُ بِـ ‏(‏ذُو‏)‏ أَبْلَغُ مِنَ الْوَصْفِ بِصَاحِبٍ، وَالْإِضَافَةُ بِهَا أَشْرَفُ، فَإِنَّ ‏(‏ذُو‏)‏ يُضَافُ لِلتَّابِعِ وَصَاحِبَ يُضَافُ إِلَى الْمَتْبُوعِ، تَقُولُ‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقُولُ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَأَمَّا ‏(‏ذُو‏)‏ فَإِنَّكَ تَقُولُ‏:‏ ذُو الْمَالِ، وَذُو الْفَرَسِ، فَتَجِدُ الِاسْمَ الْأَوَّلَ مَتْبُوعًا غَيْرَ تَابِعٍ، وَبُنِيَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ‏[‏الْآيَة‏:‏ 87‏]‏، ‏{‏وَذَا النُّونِ‏}‏ فَأَضَافَهُ إِلَى النُّونِ وَهُوَ الْحُوتُ، وَقَالَ فِي سُورَةِ ن ‏[‏الْآيَة‏:‏ 48‏]‏، ‏{‏وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لَكِنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ فِي حُسْنِ الْإِشَارَةِ إِلَى الْحَالَتَيْنِ، فَإِنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَتَى بِذِي؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِهَا أَشْرَفُ، وَبِالنُّونِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَفْظِ الْحُوتِ، لِوُجُودِهِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ؛ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ الْحُوتِ مَا يُشَرِّفُهُ لِذَلِكَ، فَأَتَى بِهِ وَبِصَاحِبٍ حِينَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِهِ‏.‏

‏[‏رُوَيْدًا‏]‏

رُوَيْدًا‏:‏ اسْمٌ لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا مُصَغَّرًا مَأْمُورًا بِهِ، وَهُوَ تَصْغِيرُ ‏(‏رَوَدٍ‏)‏ وَهُوَ الْمَهَلُ‏.‏

‏[‏رُبَّ‏]‏

رُبَّ حَرْف الجر ‏(‏رب‏)‏ معناه وَاسْتِعْمَالَاته‏:‏ حَرْفٌ فِي مَعْنَاهُ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الْحِجْر‏:‏ 2‏]‏ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ، وَقَالَ الْأَوَّلُونَ‏:‏ هُمْ مَشْغُولُونَ بِغَمَرَاتِ الْأَهْوَالِ، فَلَا يُفِيقُونَ بِحَيْثُ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلًا‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنَّهَا لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ لِلتَّقْلِيلِ غَالِبًا، وَالتَّكْثِيرِ نَادِرًا، وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ عَكْسُهُ‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ لَمْ تُوضَعْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ هِيَ حَرْفُ إِثْبَاتٍ، لَا تَدُلُّ عَلَى تَكْثِيرٍ وَلَا تَقْلِيلٍ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ لِلتَّكْثِيرِ فِي مَوْضِعِ الْمُبَاهَاةِ وَالِافْتِخَارِ، وَلِلتَّقْلِيلِ فِيمَا عَدَاهُ‏.‏

الثَّامِنُ‏:‏ لِمُبْهَمِ الْعَدَدِ، تَكُونُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا، وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا ‏(‏مَا‏)‏ فَتَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِ الْجَرِّ وَتُدْخِلُهَا عَلَى الْجُمَلِ‏.‏ وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ دُخُولُهَا عَلَى الْفِعْلِيَّةِ الْمَاضِي فِعْلُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ‏.‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّهُ عَلَى حَدّ‏:‏ ‏{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 99‏]‏‏.‏

‏[‏السِّينُ‏]‏

السِّينُ‏:‏ حَرْفٌ يَخْتَصُّ بِالْمُضَارِعِ وَيُخْلِصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَيَتَنَزَّلُ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ، فَلِذَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ‏.‏

وَذَهَبُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الِاسْتِقْبَالِ مَعَهُ أَضْيَقُ مِنْهَا مَعَ سَوْفَ‏.‏

وَعِبَارَةُ الْمُعْرِبِينَ‏:‏ حَرْفُ تَنْفِيسٍ، وَمَعْنَاهَا حَرْفُ تَوَسُّعٍ؛ لِأَنَّهَا تَقْلِبُ الْمُضَارِعَ مِنَ الزَّمَنِ الضَّيِّقِ- وَهُوَ الْحَالُ- إِلَى الزَّمَنِ الْوَاسِعِ، وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ‏.‏

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا قَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَتَجِدُونَ آخَرِينَ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 91‏]‏‏.‏ ‏{‏سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 142‏]‏؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ ‏(‏مَا وَلَّاهُمْ‏)‏ فَجَاءَتِ السِّينُ إِعْلَامًا بِالِاسْتِمْرَارِ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ‏.‏ بَلِ الِاسْتِمْرَارُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُضَارِعِ، وَالسِّينُ بَاقِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، إِذِ الِاسْتِمْرَارُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مَحْبُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَفَادَتْ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَهِمَ وَجْهَ ذَلِكَ‏.‏

وَوُجِّهَ‏:‏ أَنَّهَا تُفِيدُ الْوَعْدَ بِحُصُولِ الْفِعْلِ، فَدُخُولُهَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْوَعْدَ أَوِ الْوَعِيدَ مُقْتَضٍ لِتَوْكِيدِهِ وَتَثْبِيتِ مَعْنَاهُ، وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة‏:‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 137‏]‏‏:‏ مَعْنَى السِّينِ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ إِلَى حِينٍ‏.‏ وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُورَةِ ‏(‏بَرَاءَةَ‏)‏، فَقَالَ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 71‏]‏‏:‏ السِّينُ مُفِيدَةٌ وُجُودَ الرَّحْمَةِ لَا مَحَالَةَ، فَهِيَ تُؤَكِّدُ الْوَعْدَ كَمَا تُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ فِي قَوْلِكَ‏:‏ سَأَنْتَقِمُ مِنْكَ‏.‏

‏[‏سَوْفَ‏]‏

سَوْفَ‏:‏ كَالسِّينِ، وَأَوْسَعُ زَمَانًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَعْنَى، وَمُرَادِفَةٌ لَهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ‏.‏ وَتَنْفَرِدُ عَنِ السِّينِ بِدُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ‏}‏ ‏[‏الضُّحَى‏:‏ 5‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إِدْخَالُ اللَّامِ عَلَى السِّينِ كَرَاهَةَ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ فِي‏:‏ ‏(‏لَسَيُدَحْرِجُ‏)‏ ثُمَّ طَرَدَ الْبَاقِيَ‏.‏

قَالَ ابْنُ بَابَشَاذَ‏:‏ وَالْغَالِبُ عَلَى ‏(‏سَوْفَ‏)‏ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَعَلَى السِّينِ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْوَعْدِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ ‏(‏سَوْفَ‏)‏ فِي الْوَعْدِ وَالسِّينُ فِي الْوَعِيدِ‏.‏

‏[‏سَوَاءٌ‏]‏

سَوَاءٌ‏:‏ تَكُونُ بِمَعْنَى ‏(‏مُسْتَوٍ‏)‏ فَتُقْصَرُ مَعَ الْكَسْرِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَكَانًا سُوًى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 58‏]‏ وَتُمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏الصَّافَّات‏:‏ 55‏]‏‏.‏

وَبِمَعْنَى التَّمَامِ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً‏}‏ ‏[‏فُصِّلَتْ‏:‏ 10‏]‏، أَيْ‏:‏ تَمَامًا‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ‏{‏وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 22‏]‏‏.‏

وَلَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى غَيْرَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ وَرَدَتْ، وَجُعِلَ مِنْهُ فِي الْبُرْهَانِ ‏{‏فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 12‏]‏، وَهُوَ وَهْمٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 58‏]‏ إِنَّهَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ، وَالْمُسْتَثْنَى مَحْذُوفٌ، أَيْ‏:‏ مَكَانًا سُوَى هَذَا الْمَكَانِ، حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي عَجَائِبِهِ، قَالَ‏:‏ وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ غَيْرَ مُضَافَةٍ‏.‏

‏[‏سَاءَ‏]‏

سَاءَ‏:‏ فِعْلٌ لِلذَّمِّ لَا يَتَصَرَّفُ‏.‏

‏[‏سُبْحَانَ‏]‏

سُبْحَانَ‏:‏ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ، لَازِمُ النَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى مُفْرَدٍ ظَاهِرٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَسُبْحَانَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 108‏]‏‏.‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 1‏]‏ أَوْ مُضْمَرٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 171‏]‏، ‏{‏سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 32‏]‏‏.‏ وَهُوَ مِمَّا أُمِيتَ فِعْلُهُ‏.‏

وَفِي الْعَجَائِبِ لِلْكِرْمَانِيّ‏:‏ مِنَ الْغَرِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَصَّلُ أَنَّهُ مَصْدَرُ ‏(‏سَبَّحَ‏)‏ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ‏.‏ وَأَنْشَدَ‏:‏

قَبَّحَ الْإِلَهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا *** سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إِهْلَالَا

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَنْزِيهُ اللَّهِ نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ‏.‏

‏[‏ظَنَّ‏]‏

ظَنَّ‏:‏ أَصْلُهُ لِلِاعْتِقَادِ الرَّاجِحِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 20‏]‏‏.‏ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 46‏]‏‏.‏

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ؛ وَهَذَا مُشْكِلٌ بِكَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِيهَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَالْآيَةِ الْأُولَى‏.‏

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ‏:‏ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ضَابِطَان‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ، وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ فَهُوَ الشَّكُّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ كُلَّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بَعْدَهُ ‏(‏أَنْ‏)‏ الْخَفِيفَةُ فَهُوَ شَكٌّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ‏}‏ ‏[‏الْفَتْح‏:‏ 12‏]‏‏.‏ وَكُلُّ ظَنٍّ يَتَّصِلُ بِهِ ‏(‏أَنَّ‏)‏ الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ، كَقَوْلِه‏:‏ ‏{‏إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ‏}‏ ‏[‏الْحَاقَّة‏:‏ 20‏]‏، ‏{‏وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ‏}‏ ‏[‏الْقِيَامَة‏:‏ 28‏]‏‏.‏ وَقُرِئَ ‏(‏وَأَيْقَنَ أَنَّهُ الْفِرَاقُ‏)‏ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْمُشَدَّدَةَ لِلتَّأْكِيدِ فَدَخَلَتْ عَلَى الْيَقِينِ، وَالْخَفِيفَةَ بِخِلَافِهَا فَدَخَلَتْ فِي الشَّكِّ، وَلِهَذَا دَخَلَتِ الْأُولَى فِي الْعِلْمِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ ‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 19‏]‏‏.‏ ‏{‏وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا‏}‏ ‏[‏الْأَنْفَال‏:‏ 66‏]‏‏.‏

وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُسْبَانِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 71‏]‏‏.‏

ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا الضَّابِط‏:‏ ‏{‏وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 118‏]‏‏.‏

وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا هُنَا اتَّصَلَتْ بِالِاسْمِ، وَهُوَ مَلْجَأٌ وَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ‏.‏ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قَالَ‏:‏ فَتَمَسَّكْ بِهَذَا الضَّابِطِ؛ فَهُوَ مِنْ أَسْرَارِ الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ‏:‏ قَالَ ثَعْلَبٌ‏:‏ الْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ عِلْمًا وَشَكًّا وَكَذِبًا‏:‏ مَا جَاءَ فَى مَعَانِي ‏(‏ظن‏)‏بمعنى الْعِلْم وَالشَّكّ وَالْكَذِب فَإِنْ قَامَتْ بَرَاهِينُ الْعِلْمِ، فَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ بَرَاهِينِ الشَّكِّ، فَالظَّنُّ يَقِينٌ‏.‏ وَإِنِ اعْتَدَلَتْ بَرَاهِينُ الْيَقِينِ وَبَرَاهِينُ الشَّكِّ، فَالظَّنُّ شَكٌّ‏.‏ وَإِنْ زَادَتْ بَرَاهِينُ الشَّكِّ عَلَى بَرَاهِينِ الْيَقِينِ، فَالظَّنُّ كَذِبٌ‏.‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ‏}‏ ‏[‏الْجَاثِيَة‏:‏ 24‏]‏ أَرَادَ يَكْذِبُونَ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

‏[‏عَلَى‏]‏

عَلَى‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ‏:‏

أَشْهَرُهَا‏:‏ الِاسْتِعْلَاءُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 22‏]‏، ‏{‏كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ‏}‏ ‏[‏الرَّحْمَن‏:‏ 26‏]‏‏.‏ ‏{‏فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 253‏]‏، ‏{‏وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ‏}‏ ‏[‏الشُّعَرَاء‏:‏ 14‏]‏‏.‏‏:‏

ثَانِيهَا‏:‏ لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَعَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 177‏]‏ أَيْ‏:‏ مَعَ حُبِّهِ‏.‏ ‏{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ‏}‏ ‏[‏الرَّعْد‏:‏ 6‏]‏‏.‏

ثَالِثُهَا‏:‏ لِلِابْتِدَاءِ كَمِنْ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ‏}‏ ‏[‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 2‏]‏ أَيْ‏:‏ مِنَ النَّاسِ ‏{‏لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 5- 6‏]‏ أَيْ‏:‏ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ‏.‏

رَابِعُهَا‏:‏ التَّعْلِيلُ كَاللَّامِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 185‏]‏ أَيْ‏:‏ لِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ‏.‏

خَامِسُهَا‏:‏ الظَّرْفِيَّةُ كَفِي، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 15‏]‏ أَيْ‏:‏ فِي حِينِ ‏{‏وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 102‏]‏ أَيْ‏:‏ فِي زَمَنِ مُلْكِهِ‏.‏

سَادِسُهَا‏:‏ مَعْنَى الْبَاءِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 105‏]‏ أَيْ‏:‏ بِأَنْ، كَمَا قَرَأَ أُبَيٌّ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

هِيَ فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ‏}‏ ‏[‏الْفُرْقَان‏:‏ 58‏]‏‏.‏ بِمَعْنَى الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ، أَيْ‏:‏ أَضِفْ تَوَكُّلَكَ وَأَسْنِدْهُ إِلَيْهِ، كَذَا قِيلَ‏.‏

وَعِنْدِي‏:‏ أَنَّهَا فِيهِ بِمَعْنَى بَاءِ الِاسْتِعَانَةِ‏.‏ وَفِي نَحْو‏:‏ ‏{‏كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 12‏]‏ لِتَأْكِيدِ التَّفَضُّلِ لَا الْإِيجَابِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ‏}‏ ‏[‏الْغَاشِيَة‏:‏ 26‏]‏ لِتَأْكِيدِ الْمُجَازَاةِ‏.‏

قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَإِذَا ذُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِي الْغَالِبِ مَعَ الْحَمْدِ لَمْ تَقْتَرِنْ بِـ ‏(‏عَلَى‏)‏ وَإِذَا أُرِيدَتِ النِّعْمَةُ أَتَى بِهَا، وَلِهَذَا «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ، قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ‏.‏ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَرِدُ ‏(‏عَلَى‏)‏ اسْمًا- فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ- إِذَا كَانَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلِّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَاب‏:‏ 37‏]‏، لِمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي إِلَى وَتَرِدُ فِعْلًا مِنَ الْعُلُوِّ، وَمِنْهُ ‏{‏إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 4‏]‏‏.‏

‏[‏عَنْ‏]‏

عَنْ‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ‏:‏

أَشْهَرُهَا‏:‏ الْمُجَاوَزَةُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 63‏]‏ أَيْ‏:‏ يُجَاوِزُونَهُ وَيَبْعُدُونَ عَنْهُ‏.‏

ثَانِيهَا‏:‏ الْبَدَلُ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 48‏]‏‏.‏

ثَالِثُهَا‏:‏ التَّعْلِيلُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 114‏]‏ أَيْ‏:‏ لِأَجْلِ مَوْعِدَةٍ ‏{‏وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ‏}‏ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 53‏]‏ أَيْ‏:‏ لِقَوْلِكَ‏.‏

رَابِعُهَا‏:‏ بِمَعْنَى عَلَى نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ‏}‏ ‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 38‏]‏ أَيْ‏:‏ عَلَيْهَا‏.‏

خَامِسُهَا‏:‏ بِمَعْنَى مِنْ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 104‏]‏ أَيْ‏:‏ مِنْهُمْ؛ بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 27‏]‏‏.‏

سَادِسُهَا‏:‏ بِمَعْنَى بَعْدَ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 13‏]‏‏.‏ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى‏:‏ ‏{‏مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 41‏]‏، ‏{‏لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ‏}‏ ‏[‏الِانْشِقَاق‏:‏ 19‏]‏ أَيْ‏:‏ حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَرِدُ اسْمًا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا ‏(‏مِنْ‏)‏‏.‏ وَجَعَلَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 17‏]‏، قَالَ‏:‏ فَتُقَدَّرُ مَعْطُوفَةً عَلَى مَجْرُورِ ‏(‏مِنْ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏مِنْ‏)‏ وَمَجْرُورِهَا‏.‏

‏[‏عَسَى‏]‏

عَسَى‏:‏ فِعْلٌ جَامِدٌ لَا يَتَصَرَّفُ، وَمِنْ ثَمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهُ حَرْفٌ‏.‏

وَمَعْنَاهُ التَّرَجِّي فِي الْمَحْبُوبِ، وَالْإِشْفَاقُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 216‏]‏‏.‏

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ‏:‏ وَتَأْتِي لِلْقُرْبِ وَالدُّنُوِّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 72‏]‏‏.‏

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ‏:‏ كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ‏(‏عَسَى‏)‏ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ فَهُوَ مُوَحَّدٌ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَوُجِّهَ عَلَى مَعْنَى‏:‏ عَسَى الْأَمْرُ أَنْ يَكُونَ كَذَا‏.‏ وَمَا كَانَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ ‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 22‏]‏ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ هَلْ عَرَفْتُمْ ذَلِكَ، وَهَلْ أَخْبَرْتُمُوهُ‏؟‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَلُّ عَسَى فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُقَالُ‏:‏ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ‏:‏ عَسَى فِي الْقُرْآنِ وَاجِبَةٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْن‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏{‏عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 8‏]‏ يَعْنِي‏:‏ بَنِي النَّضِيرِ، فَمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ، بَلْ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهِمُ الْعُقُوبَةَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ ‏{‏عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا‏}‏ ‏[‏التَّحْرِيم‏:‏ 5‏]‏ فَلَمْ يَقَعِ التَّبْدِيلُ‏.‏

وَأَبْطَلَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَعَمَّمَ الْقَاعِدَةَ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ كَانَتْ مَشْرُوطَةً بِأَلَّا يَعُودُوا، كَمَا قَالَ‏:‏ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 8‏]‏ وَقَدْ عَادُوا، فَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، وَالتَّبْدِيلُ مَشْرُوطًا بِأَنْ يُطَلِّقَ وَلَمْ يُطَلِّقْ، فَلَا يَجِبُ‏.‏

وَفِي الْكَشَّافِ‏:‏ فِي سُورَةِ التَّحْرِيم‏:‏ عَسَى إِطْمَاعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، وَفِيهِ وَجْهَان‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْإِجَابَةِ بِلَعَلَّ وَعَسَى، وَوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْقَطْعِ وَالْبَتِّ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنْ يَكُونَ جِيءَ بِهِ تَعْلِيمًا لِلْعِبَادِ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ‏.‏

وَفِي الْبُرْهَانِ‏:‏ عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجَبَتَانِ، وَإِنْ كَانَتَا رَجَاءً وَطَمَعًا فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِضُ لَهُمُ الشُّكُوكُ وَالظُّنُونُ، وَالْبَارِئُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَالْوَجْهُ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظ‏:‏ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُمْكِنَةَ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَشُكُّونَ فِيهَا وَلَا يَقْطَعُونَ عَلَى الْكَائِنِ مِنْهَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْكَائِنَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ، صَارَتْ لَهَا نِسْبَتَان‏:‏ نِسْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تُسَمَّى نِسْبَةَ قَطْعٍ وَيَقِينٍ، وَنِسْبَةٌ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ تُسَمَّى نِسْبَةَ شَكٍّ وَظَنٍّ، فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لِذَلِكَ تَرِدُ‏:‏ تَارَةً بِلَفْظِ الْقَطْعِ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 54‏]‏‏.‏ وَتَارَةً بِلَفْظِ الشَّكِّ بِحَسَبِ مَا هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْخَلْقِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 52‏]‏، وَنَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 44‏]‏، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ- حَالَ إِرْسَالِهِمَا- مَا يُفْضِي إِلَيْهِ حَالُ فِرْعَوْنَ، لَكِنْ وَرَدَ اللَّفْظُ بِصُورَةِ مَا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ‏.‏ وَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ الْمُتَيَقَّنَ فِي صُورَةِ الْمَشْكُوكِ لِأَغْرَاضٍ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّان‏:‏ ‏(‏عَسَى‏)‏ فِعْلٌ مَاضِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ طَمَعٌ قَدْ حَصَلَ فِي شَيْءٍ مُسْتَقْبَلٍ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ مَاضِي اللَّفْظِ مُسْتَقْبَلُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ طَمَعٍ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَجْهَيْن‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ رَافِعَةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ بَعْدَهُ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَقْرُونٌ بِأَنْ، وَالْأَشْهَرُ فِي إِعْرَابِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ عَامِلٌ عَمَلَ كَانَ‏.‏ فَالْمَرْفُوعُ اسْمُهَا وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ مُتَعَدٍّ بِمَنْزِلَةِ ‏(‏قَارَبَ‏)‏ مَعْنًى وَعَمَلًا، أَوْ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَة‏:‏ قَرُبَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ، وَحُذِفَ الْجَارُّ تَوَسُّعًا؛ وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ قَاصِرٌ بِمَنْزِلَةِ قَرُبَ، وَأَنْ يَفْعَلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ فَاعِلِهَا‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهَا ‏(‏أَنْ‏)‏ وَالْفِعْلُ؛ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا حِينَئِذٍ تَامَّةٌ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ‏:‏ عِنْدِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَبَدًا، وَأَنَّ وَصِلَتُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُزْأَيْنِ كَمَا فِي‏:‏ ‏{‏أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا‏}‏ ‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 2‏]‏‏.‏

‏[‏عِنْدَ‏]‏

عِنْدَ‏:‏ ظَرْفُ مَكَانٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحُضُورِ وَالْقُرْبِ، سَوَاءً كَانَا حِسِّيَّيْنِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 40‏]‏‏.‏ ‏{‏عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى‏}‏ ‏[‏النَّجْم‏:‏ 14‏]‏ أَوْ مَعْنَوِيَّتَيْنِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 40‏]‏، ‏{‏وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 47‏]‏، ‏{‏فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ‏}‏ ‏[‏الْقَمَر‏:‏ 55‏]‏، ‏{‏أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 169‏]‏، ‏{‏ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏التَّحْرِيم‏:‏ 11‏]‏، فَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَات‏:‏ قُرْبُ التَّشْرِيفِ، وَرِفْعَةُ الْمَنْزِلَةِ‏.‏

وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا أَوْ مَجْرُورَةً ‏(‏عند‏)‏ بِـ ‏(‏مِنْ‏)‏ خَاصَّةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَمِنْ عِنْدِكَ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 27‏]‏، ‏{‏وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 89‏]‏‏.‏

وَتُعَاقِبُهَا لَدَى وَلَدُنْ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَدَى الْحَنَاجِرِ‏}‏ ‏[‏غَافِرٍ‏:‏ 18‏]‏‏.‏ ‏{‏لَدَى الْبَابِ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 25‏]‏‏.‏ ‏{‏وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وَقَدِ اجْتَمَعَتَا فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 65‏]‏‏.‏

وَلَوْ جِيءَ فِيهِمَا بِـ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ أَوْ ‏(‏لَدُنْ‏)‏ صَحَّ، لَكِنْ تُرِكَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ تَكْرَارُ ‏(‏لَدَى‏)‏ فِي ‏{‏وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ‏}‏؛ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا‏.‏

وَتُفَارِقُ عِنْدَ وَلَدَى لَدُنْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ‏:‏

فَعِنْدَ وَلَدَى‏:‏ تَصْلُحُ فِي مَحَلِّ ابْتِدَاءِ غَايَةٍ وَغَيْرِهَا؛ وَلَا تَصْلُحُ لَدُنْ إِلَّا فِي ابْتِدَاءِ غَايَةٍ‏.‏

وَعِنْدَ وَلَدَى‏:‏ يَكُونَانِ فَضْلَةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 4‏]‏، ‏{‏وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 62‏]‏‏.‏ وَلَدُنْ لَا تَكُونُ فَضْلَةً‏.‏

وَجَرُّ لَدُنْ بِمِنْ أَكْثَرُ مِنْ نَصْبِهَا، حَتَّى أَنَّهَا لَمْ تَجِئْ فِي الْقُرْآنِ مَنْصُوبَةً، وَجَرُّ عِنْدَ كَثِيرٌ، وَجَرُّ لَدَى مُمْتَنِعٌ‏.‏

وَعِنْدَ وَلَدَى يُعْرَبَانِ، وَلَدُنْ مَبْنِيَّةٌ فِي لُغَةِ الْأَكْثَرِينَ‏.‏

وَلَدُنْ قَدْ لَا تُضَافُ، وَقَدْ تُضَافُ لِلْجُمْلَةِ؛بِخِلَافِهِمَا‏.‏

وَقَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ لَدُنْ أَخَصُّ مِنْ عِنْدَ وَأَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ابْتِدَاءِ نِهَايَةِ الْفِعْلِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَ‏(‏عِنْدَ‏)‏ أَمْكَنُ مِنْ ‏(‏لَدُنْ‏)‏ مِنْ وَجْهَيْن‏:‏ أَنَّهَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي ‏(‏عند‏)‏؛ بِخِلَافِ لَدُنْ‏.‏

وَعِنْدَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ لَدُنْ إِلَّا فِي الْحَاضِرِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ وَغَيْرُهُ‏.‏

‏[‏غَيْرَ‏]‏

غَيْرَ‏:‏ اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْإِبْهَامِ، فَلَا تَتَعَرَّفُ مَا لَمْ تَقَعْ بَيْنَ صَدَّيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِهَا فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الْفَاتِحَة‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وَالْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلنَّكِرَةِ ‏(‏غير‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَنَعْمَلُ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 53‏]‏‏.‏

وَتَقَعُ حَالًا إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا ‏(‏لَا‏)‏ وَاسْتِثْنَاءً إِنْ صَلُحَ مَوْضِعُهَا ‏(‏إِلَّا‏)‏ فَتُعْرَبُ بِإِعْرَابِ الِاسْمِ التَّالِي ‏(‏إِلَّا‏)‏ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ‏.‏

وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 95‏]‏ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةُ ‏{‏الْقَاعِدُونَ‏}‏، أَوِ اسْتِثْنَاءٌ وَأَبْدِلْ، عَلَى حَدّ‏:‏ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 66‏]‏، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَبِالْجَرِّ خَارِجَ السَّبْعِ، صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ‏.‏

وَفِي الْمُفْرَدَاتِ لِلرَّاغِب‏:‏ غَيْرُ تُقَالُ عَلَى أَوْجُهٍ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ مَعْنًى بِهِ، نَحْوَ‏:‏ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ غَيْرِ قَائِمٍ، أَيْ‏:‏ لَا قَائِمَ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 50‏]‏، ‏{‏وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 18‏]‏‏:‏

الثَّانِي‏:‏ بِمَعْنَى ‏(‏إِلَّا‏)‏ فَيُسْتَثْنَى بِهَا وَتُوصَفُ بِهِ النَّكِرَةُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 85‏]‏‏.‏ ‏{‏هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏فَاطِرٍ‏:‏ 3‏]‏‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ لِنَفْيِ الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مَادَّتِهَا، نَحْوَ‏:‏ الْمَاءُ إِذَا كَانَ حَارًّا غَيْرُهُ إِذَا كَانَ بَارِدًا‏.‏ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 56‏]‏‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَنَاوِلًا لِذَاتٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 93‏]‏، ‏{‏أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 164‏]‏، ‏{‏ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 15‏]‏‏.‏ ‏{‏يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ‏}‏ ‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 38‏]‏‏.‏ انْتَهَى‏.‏

‏[‏الْفَاءُ‏]‏

الْفَاءُ‏:‏ تَرِدُ عَلَى أَوْجُهٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، فَتُفِيدُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ التَّرْتِيبُ وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، مَعْنَوِيًّا كَانَ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 15‏]‏ أَوْ ذِكْرِيًّا، وَهُوَ عَطْفٌ مُفَصَّلٌ عَلَى مُجْمَلٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 36‏]‏، ‏{‏سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 153‏]‏‏.‏ ‏{‏وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 45‏]‏ وَأَنْكَرَهُ- أَيْ‏:‏ التَّرْتِيبَ- الْفَرَّاءُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِه‏:‏ ‏{‏أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا‏.‏

ثَانِيهَا‏:‏ التَّعْقِيبُ وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ عَنِ التَّرَاخِي فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 63‏]‏، ‏{‏خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 14‏]‏‏.‏

ثَالِثُهَا‏:‏ السَّبَبِيَّةُ غَالِبًا وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 15‏]‏، ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 37‏]‏، ‏{‏لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ‏}‏ ‏[‏الْوَاقِعَة‏:‏ 52- 54‏]‏‏.‏

وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الذَّارِيَات‏:‏ 26- 27‏]‏‏.‏ ‏{‏فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ‏}‏ ‏[‏الذَّارِيَات‏:‏ 29‏]‏‏.‏ ‏{‏فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ‏}‏ ‏[‏الصَّافَّات‏:‏ 2- 3‏]‏‏.‏

الْوَجْهُ الثَّانِي‏:‏ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ وَجْه مَنْ أُوَجِّهُ الْفَاء، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ‏}‏ ‏[‏الْكَوْثَر‏:‏ 1- 2‏]‏‏.‏ إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ، وَعَكْسُهُ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً لِلْجَوَابِ حَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونُ شَرْطًا وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء‏:‏

بِأَنْ كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 118‏]‏‏.‏ ‏{‏وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 17‏]‏‏.‏

أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا جَامِدٌ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 39- 40‏]‏‏.‏ ‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 28‏]‏، ‏{‏إِنْ تَبْدُوَا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 271‏]‏‏.‏ ‏{‏وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 38‏]‏ أَوْ إِنْشَائِيٌّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 31‏]‏، ‏{‏فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 150‏]‏‏.‏

وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ‏}‏ ‏[‏الْمُلْك‏:‏ 30‏]‏‏.‏

أَوْ مَاضٍ لَفْظًا وَمَعْنًى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 77‏]‏‏.‏

أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 54‏]‏، ‏{‏وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 115‏]‏‏.‏

وَكَمَا تَرْبِطُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ‏}‏ إِلَى قَوْلِه‏:‏ ‏{‏فَبِشِّرْهُمْ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 21‏]‏‏.‏

الْوَجْهُ الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَجْه مِنْ أَوْجُه الْفَاء، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ‏:‏ ‏{‏هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 57‏]‏‏.‏ وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَبَرَ‏:‏ ‏{‏حَمِيمٌ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 57‏]‏ وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ‏.‏

وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ‏:‏ ‏{‏بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ‏}‏ ‏[‏الزُّمَر‏:‏ 66‏]‏‏.‏ وَغَيْرَهُ ‏{‏وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِه‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 89‏]‏‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ ‏{‏كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 117‏]‏ بِالرَّفْعِ‏.‏

‏[‏فِي‏]‏

فِي‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ لَهُ مَعَانٍ‏:‏

أَشْهَرُهَا‏:‏ الظَّرْفِيَّةُ، مَكَانًا أَوْ زَمَانًا مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الرُّوم‏:‏ 2- 4‏]‏ حَقِيقَةً كَالْآيَةِ، أَوْ مَجَازًا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 179‏]‏‏.‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 7‏]‏‏.‏ ‏{‏إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 60‏]‏‏.‏

ثَانِيهَا‏:‏ الْمُصَاحَبَةُ كَـ ‏(‏مَعَ‏)‏ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 38‏]‏ أَيْ‏:‏ مَعَهُمْ‏.‏ ‏{‏فِي تِسْعِ آيَاتٍ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 12‏]‏‏.‏

ثَالِثُهَا‏:‏ التَّعْلِيلُ مِنْ مَعَانِي ‏(‏فِي‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 32‏]‏‏.‏ ‏{‏لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 14‏]‏ أَيْ‏:‏ لِأَجْلِهِ‏.‏

رَابِعُهَا‏:‏ الِاسْتِعْلَاءُ مِنْ مَعَانِي ‏(‏فِي‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 71‏]‏ أَيْ‏:‏ عَلَيْهَا‏.‏

خَامِسُهَا‏:‏ مَعْنَى الْبَاءِ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ‏}‏ ‏[‏الشُّورَى‏:‏ 11‏]‏ أَيْ‏:‏ بِسَبَبِهِ‏.‏

سَادِسُهَا‏:‏ مَعْنَى ‏(‏إِلَى‏)‏ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ‏}‏ ‏[‏إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 9‏]‏ أَيْ‏:‏ إِلَيْهَا‏.‏

سَابِعُهَا‏:‏ مَعْنَى ‏(‏مِنْ‏)‏ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا‏}‏ ‏[‏النَّحْل‏:‏ 89‏]‏ أَيْ‏:‏ مِنْهُمْ، بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى‏.‏

ثَامِنُهَا‏:‏ مَعْنَى ‏(‏عَنْ‏)‏ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 72‏]‏، أَيْ‏:‏ عَنْهَا وَعَنْ مَحَاسِنِهَا‏.‏

تَاسِعُهَا‏:‏ الْمُقَايَسَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ بَيْنَ مَفْضُولٍ سَابِقٍ وَفَاضِلٍ لَاحِقٍ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 38‏]‏‏.‏

عَاشِرُهَا‏:‏ التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ مِنْ مَعَانِي ‏(‏في‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا‏}‏ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 41‏]‏ أَيْ‏:‏ ارْكَبُوهَا‏.‏

‏[‏قَدْ‏]‏

قَدْ‏:‏ حَرْفٌ مُخْتَصٌّ بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرِّفِ الْخَبَرِيِّ الْمُثْبَتِ، الْمُجَرَّدِ مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ، مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُضَارِعًا‏.‏ وَلَهَا مَعَانٍ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَاضِي مِنْ مَعَانِي ‏(‏قد‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا‏}‏ ‏[‏الشَّمْس‏:‏ 9‏]‏‏.‏

وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا الْقَسَمُ مِثْلَ ‏(‏إِنَّ‏)‏ وَاللَّامِ فِي الِاسْمِيَّةِ الْمُجَابِ بِهَا فِي إِفَادَةِ التَّوْكِيدِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ وَالتَّقْرِيبُ مَعَ الْمَاضِي مِنْ مَعَانِي ‏(‏قد‏)‏ أَيْضًا، تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ، تَقُولُ‏:‏ قَامَ زَيْدٌ، فَيَحْتَمِلُ الْمَاضِيَ الْقَرِيبَ وَالْمَاضِيَ الْبَعِيدَ؛ فَإِنْ قُلْتَ‏:‏ قَدْ قَامَ، اخْتَصَّ بِالْقَرِيبِ‏.‏

قَالَ النُّحَاةُ‏:‏ وَانْبَنَى عَلَى إِفَادَتِهَا ذَلِكَ أَحْكَامٌ‏:‏

مِنْهَا مَنْعُ دُخُولِهَا عَلَى لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ، لِأَنَّهُنَّ لِلْحَالِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَا يُقَرِّبُ مَا هُوَ حَاصِلٌ، وَلِأَنَّهُنَّ لَا يُفِدْنَ الزَّمَانَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ وُجُوبُ دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي الْوَاقِعِ حَالًا‏:‏ إِمَّا ظَاهِرَةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 246‏]‏ أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا‏}‏، ‏{‏هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 65‏]‏‏.‏ ‏{‏أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 90‏]‏‏.‏

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَخْفَشُ، وَقَالُوا‏:‏ لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ، لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ حَالًا بِدُونِ ‏(‏قَدْ‏)‏‏.‏

وَقَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْكَافَيَجِيُّ‏:‏ مَا قَالَهُ الْبَصْرِيُّونَ غَلَطٌ، سَبَبُهُ اشْتِبَاهُ لَفْظِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْحَالَ الَّذِي تُقَرِّبُهُ ‏(‏قَدْ‏)‏ حَالُ الزَّمَانِ، وَالْحَالَ الْمُبَيِّنَ لِلْهَيْئَةِ حَالُ الصِّفَاتِ، وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي الْمَعْنَى‏.‏

الْمَعْنَى الثَّالِثُ‏:‏ التَّقْلِيلُ مَعَ الْمُضَارِعِ مِنْ مَعَانِي ‏(‏قد‏)‏‏.‏ قَالَ فِي الْمُغْنِي‏:‏ وَهُوَ ضَرْبَان‏:‏ تَقْلِيلُ وُقُوعِ الْفِعْلِ، نَحْوَ‏:‏ قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ، وَتَقْلِيلُ مُتَعَلِّقِهِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 64‏]‏ أَيْ‏:‏ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ أَقَلُّ مَعْلُومَاتِهِ تَعَالَى‏.‏

قَالَ‏:‏ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّحْقِيقِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ، قَالَ‏:‏ إِنَّهَا أُدْخِلَتْ لِتَوْكِيدِ الْعِلْمِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى تَوْكِيدِ الْوَعِيدِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ التَّكْثِيرُ مِنْ مَعَانِي ‏(‏قد‏)‏، ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 144‏]‏ قَالَ‏:‏ أَيْ رُبَّمَا نَرَى، وَمَعْنَاهُ‏:‏ تَكْثِيرُ الرُّؤْيَةِ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ التَّوَقُّعُ مِنْ مَعَانِي ‏(‏قد‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏قَدْ يُقْدِمُ الْغَائِبُ‏)‏ لِمَنْ يَتَوَقَّعُ قُدُومَهُ وَيَنْتَظِرُهُ، وَ‏(‏قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ‏.‏ وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ‏}‏ ‏[‏الْمُجَادَلَة‏:‏ 1‏]‏؛لِأَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَقَّعُ إِجَابَةَ اللَّهِ لِدُعَائِهَا‏.‏

‏[‏الْكَافُ‏]‏

الْكَافُ‏:‏ حَرْفُ جَرٍّ، لَهُ مَعَانٍ‏:‏

أَشْهَرُهَا‏:‏ التَّشْبِيهُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ ‏(‏الكاف‏)‏‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَهُ الْجِوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ‏}‏ ‏[‏الرَّحْمَن‏:‏ 24‏]‏‏.‏

وَالتَّعْلِيلُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ ‏(‏الكاف‏)‏‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 151‏]‏‏.‏ قَالَ الْأَخْفَشُ‏:‏ أَيْ‏:‏ لِأَجْلِ إِرْسَالِنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ ‏{‏فَاذْكُرُونِي‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 152‏]‏، ‏{‏وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 198‏]‏‏.‏ أَيْ‏:‏ لِأَجْلِ هِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ‏.‏ ‏{‏وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 82‏]‏ أَيْ‏:‏ أَعْجَبُ لِعَدَمِ فَلَاحِهِمْ ‏{‏اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 138‏]‏‏.‏

وَالتَّوْكِيدُ‏:‏ وَهِيَ الزَّائِدَةُ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ ‏(‏الكاف‏)‏، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشُّورَى‏:‏ 11‏]‏ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ جِنِّي‏:‏ وَإِنَّمَا زِيدَتْ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحَرْفِ بِمَنْزِلَةِ إِعَادَةِ الْجُمْلَةِ ثَانِيًا‏.‏

وَقَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ إِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْمِثْلِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمِثْلِ وَلَا الْكَافِ، فَنَفَى بِلَيْسَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ‏:‏ لَيْسَتْ زَائِدَةً، وَالْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، وَإِذَا نَفَيْتَ التَّمَاثُلَ عَنِ الْمِثْلِ، فَلَا مِثْلَ لِلَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ‏.‏

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَام‏:‏ مِثْلُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الذَّاتُ، كَقَوْلِكَ‏:‏ مِثْلُكَ لَا يَفْعَلُ هَذَا، أَيْ‏:‏ أَنْتَ لَا تَفْعَلُهُ، كَمَا قَالَ‏:‏

وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَكَ أَعْنِي بِهِ *** سِوَاكَ يَا فَرْدًا بِلَا مُشْبِهِ

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 137‏]‏ أَيْ‏:‏ بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ لَا مِثْلَ لَهُ فَالتَّقْدِيرُ فِي الْآيَة‏:‏ لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ‏.‏

وَقَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وُصِفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا وُصِفَ بِهِ الْبَشَرُ، فَلَيْسَ تِلْكَ الصِّفَاتُ لَهُ عَلَى حَسَبِ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَرِدُ الْكَافُ اسْمًا بِمَعْنَى ‏(‏مِثْلٍ‏)‏ فَتَكُونُ فِي مَحَلِّ إِعْرَابٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ‏.‏

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 49‏]‏‏:‏ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي ‏(‏فِيهِ‏)‏ لِلْكَافِ فِي ‏(‏كَهَيْئَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ فَأَنْفُخُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُمَاثِلِ، فَيَصِيرُ كَسَائِرِ الطُّيُورِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

مَسْأَلَةٌ‏:‏

الْكَافُ فِي ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ وَفُرُوعِهِ وَنَحْوِهِ حَرْفُ خِطَابٍ لَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ‏.‏ وَفِي ‏(‏إِيَّاكَ‏)‏ قِيلَ‏:‏ حَرْفٌ، وَقِيلَ‏:‏ اسْمٌ مُضَافٌ إِلَيْهِ‏.‏ وَفِي ‏(‏أَرَأَيْتَكَ‏)‏ قِيلَ‏:‏ حَرْفٌ، وَقِيلَ‏:‏ اسْمٌ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، وَقِيلَ‏:‏ نَصْبٍ، وَالْأَوَّلُ‏:‏ أَرْجَحُ‏.‏

‏[‏كَادَ‏]‏

كَادَ‏:‏ فِعْلٌ نَاقِصٌ، أَتَى مِنْهُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ فَقَطْ‏.‏

لَهُ اسْمٌ مَرْفُوعٌ وَخَبَرٌ مُضَارِعٌ مُجَرَّدٌ مِنْ ‏(‏أَنْ‏)‏ وَمَعْنَاهَا قَارَبَ، فَنَفْيُهَا نَفْيٌ لِلْمُقَارَبَةِ، وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ لِلْمُقَارَبَةِ، وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ‏:‏ أَنَّ نَفْيَهَا إِثْبَاتٌ وَإِثْبَاتَهَا نَفْيٌ، فَقَوْلُكَ كَادَ زَيْدٌ يَفْعَلُ، مَعْنَاهُ‏:‏ لَمْ يَفْعَلْ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 73‏]‏، وَمَا كَادَ يَفْعَلُ، مَعْنَاهُ‏:‏ فَعَلَ، بِدَلِيل‏:‏ ‏{‏وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 71‏]‏‏.‏

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ كَادَ، وَأَكَادُ، وَيَكَادُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَبَدًا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهَا تُفِيدُ الدَّلَالَةَ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ بِعُسْرٍ ‏(‏كَادَ‏)‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ نَفْيُ الْمَاضِي إِثْبَاتٌ، بِدَلِيلِ ‏{‏وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 71‏]‏ وَنَفْيُ الْمُضَارِعِ نَفْيٌ، بِدَلِيلِ ‏{‏لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 40‏]‏ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ شَيْئًا‏.‏

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ‏:‏ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، نَفْيُهَا نَفْيٌ وَإِثْبَاتُهَا إِثْبَاتٌ، فَمَعْنَى كَادَ يَفْعَلُ‏:‏ قَارَبَ الْفِعْلَ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَمَا كَادَ يَفْعَلُ‏:‏ مَا قَارَبَ الْفِعْلَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ، فَنَفْيُ الْفِعْلِ لَازِمٌ مِنْ نَفْيِ الْمُقَارَبَةِ عَقْلًا‏.‏

وَأَمَّا آيَةُ ‏{‏فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 71‏]‏ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلًا بُعَدَاءَ مِنْ ذَبْحِهَا، وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ إِنَّمَا فُهِمَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَذَبَحُوهَا‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كِدْتَّ تَرْكَنُ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 74‏]‏ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَنْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ‏(‏لَوْلَا‏)‏ الِامْتِنَاعِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

تَرِدُ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ، وَمِنْهُ ‏{‏كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ‏}‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 76‏]‏، ‏{‏أَكَادُ أُخْفِيهَا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 15‏]‏ وَعَكْسُهُ، كَقوله‏:‏ ‏{‏جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 77‏]‏ أَيْ‏:‏ يَكَادُ‏.‏

‏[‏كَانَ‏]‏

كَانَ‏:‏ فِعْلٌ نَاقِصٌ مُتَصَرِّفٌ، يَرْفَعُ الِاسْمَ وَيَنْصِبُ الْخَبَرَ، وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ الْمُضِيُّ وَالِانْقِطَاعُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قَوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 69‏]‏‏.‏ وَتَأْتِي بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ ‏(‏كَانَ‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 96‏]‏، ‏{‏وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 81‏]‏، أَيْ‏:‏ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِكَانَ‏.‏

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ‏:‏ ‏(‏كَانَ‏)‏ فِي الْقُرْآنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ‏:‏

بِمَعْنَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ ‏(‏كَانَ‏)‏، كَقَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 17‏]‏‏.‏

بِمَعْنَى الْمُضِيِّ الْمُنْقَطِعِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَاهَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 48‏]‏‏.‏

وَبِمَعْنَى الْحَالِ ‏(‏كَانَ‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 110‏]‏، ‏{‏إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 103‏]‏‏.‏

وَبِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ ‏(‏كَانَ‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَان‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وَبِمَعْنَى صَارَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 34‏]‏‏.‏ انْتَهَى‏.‏

قُلْتُ‏:‏ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيّ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب‏:‏ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَنْتُمْ‏)‏ فَكُنَّا كُلَّنَا، وَلَكِنْ قَالَ‏:‏ ‏{‏كُنْتُمْ‏}‏ فِي خَاصَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ‏.‏

وَتَرِدُ ‏(‏كَانَ‏)‏ بِمَعْنَى‏:‏ يَنْبَغِي، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 60‏]‏، ‏{‏مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا‏}‏ ‏[‏النُّور‏:‏ 16‏]‏‏.‏

وَبِمَعْنَى حَضَرَ أَوْ وَجَدَ ‏(‏كَانَ‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 280‏]‏، ‏{‏إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 282‏]‏، ‏{‏وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 40‏]‏‏.‏

وَتَرِدُ لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ الزَّائِدَةُ ‏(‏كَانَ‏)‏، وَجُعِلَ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشُّعَرَاء‏:‏ 112‏]‏ أَيْ‏:‏ بِمَا يَعْمَلُونَ‏.‏

‏[‏كَأَنَّ‏]‏

كَأَنَّ‏:‏ بِالتَّشْدِيدِ، حَرْفٌ لِلتَّشْبِيهِ الْمُؤَكِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ‏.‏

وَالْأَصْلُ فِي ‏(‏كَأَنَّ زَيْدًا أَسَدٌ‏)‏‏:‏ أَنَّ زَيْدًا كَأَسَدٍ، قُدِّمَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ اهْتِمَامًا بِهِ، فَفُتِحَتْ هَمْزَةُ أَنَّ لِدُخُولِ الْجَارِّ‏.‏

قَالَ حَازِمٌ‏:‏ وَإِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يَقْوَى الشَّبَهُ، حَتَّى يَكَادَ الرَّائِي يَشُكُّ فِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ بِلْقِيسُ ‏{‏كَأَنَّهُ هُوَ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 42‏]‏‏.‏

قِيلَ‏:‏ وَتَرِدُ لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ، فِيمَا إِذَا كَانَ خَبَرُهَا غَيْرَ جَامِدٍ‏.‏

وَقَدْ تُخَفَّفُ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ‏}‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 12‏]‏‏.‏

‏[‏كَأَيِّنْ‏]‏

كَأَيِّنْ‏:‏ اسْمٌ مُرَكَّبٌ‏:‏ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَأَيٍّ الْمُنَوَّنَةِ، لِلتَّكْثِيرِ فِي الْعَدَدِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 146‏]‏‏.‏

وَفِيهَا لُغَاتٌ‏:‏ مِنْهَا ‏(‏كَائِنٌ‏)‏ بِوَزْنِ بَائِعٍ، وَقَرَأَ بِهَا ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ وَقَعَتْ‏.‏ وَكَأْيٍ بِوَزْنِ كَعْبٍ، وَقُرِئَ بِهَا ‏(‏وَكَأْيٍ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ‏)‏‏.‏

وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ، لَازِمَةُ الصَّدْرِ مُلَازِمَةٌ لِلْإِبْهَامِ، مُفْتَقِرَةٌ لِلتَّمْيِيزِ، وَتَمْيِيزُهَا مَجْرُورٌ، بِـ ‏(‏مِنْ‏)‏ غَالِبًا، وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ‏:‏ لَازِمًا‏.‏

‏[‏كَذَا‏]‏

كَذَا‏:‏ لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْإِشَارَةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏أَهَكَذَا عَرْشُكِ‏)‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 42‏]‏‏.‏

‏[‏كُلُّ‏]‏

كُلُّ‏:‏ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ الْمُضَافِ هُوَ إِلَيْهِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 185‏]‏، وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 95‏]‏‏.‏ ‏{‏كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 93‏]‏، وَأَجْزَاءِ الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ‏}‏ ‏[‏غَافِرٍ‏:‏ 35‏]‏ بِإِضَافَةِ قَلْبٍ إِلَى مُتَكَبِّرٍ أَيْ‏:‏ عَلَى كُلِّ أَجْزَائِهِ، وَقِرَاءَةُ التَّنْوِينِ لِعُمُومِ أَفْرَادِ الْقُلُوبِ‏.‏

وَتَرِدُ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ نَعْتًا لِنَكِرَةٍ أَوْ مَعْرِفَةٍ‏:‏ فَتَدُلُّ عَلَى كَمَالِهِ، وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى اسْمٍ ظَاهِرٍ يُمَاثِلُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 29‏]‏‏.‏ أَيْ‏:‏ بَسْطًا كُلَّ الْبَسْطِ، أَيْ‏:‏ تَامًّا‏.‏ ‏{‏فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 129‏]‏‏.‏

ثَانِيهَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ تَوْكِيدًا لِمَعْرِفَةٍ ‏(‏كُلّ‏)‏‏:‏ فَفَائِدَتُهَا الْعُمُومُ، وَتَجِبُ إِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرٍ رَاجِعٍ لِلْمُؤَكَّدِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ‏}‏ ‏[‏الْحِجْر‏:‏ 30‏]‏ وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ‏:‏ قَطْعَهَا حِينَئِذٍ عَنِ الْإِضَافَةِ لَفْظًا، وَخُرِّجَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ‏:‏ ‏(‏إِنَّا كُلًّا فِيهَا‏)‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 48‏]‏

ثَالِثُهَا‏:‏ تَكُونُ تَابِعَةً بَلْ تَالِيَةً لِلْعَوَامِلِ ‏(‏كُلّ‏)‏‏:‏ فَتَقَعُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ وَغَيْرَ مُضَافَةٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏ ‏[‏الْمُدَّثِّر‏:‏ 38‏]‏، ‏{‏وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ‏}‏ ‏[‏الْفُرْقَان‏:‏ 39‏]‏‏.‏

وَحَيْثُ أُضِيفَتْ إِلَى مُنَكَّرٍ‏:‏ وَجَبَ فِي ضَمِيرِهَا مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ‏}‏ ‏[‏الْقَمَر‏:‏ 52‏]‏‏.‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 13‏]‏‏.‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 185‏]‏‏.‏ ‏{‏كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ‏}‏‏.‏ ‏{‏وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 27‏]‏‏.‏

أَوْ إِلَى مُعَرَّفٍ‏:‏ جَازَ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّذْكِيرِ، وَمُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا، وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي قَوْلِه‏:‏ ‏{‏إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 93- 95‏]‏‏.‏

أَوْ قُطِعَتْ‏:‏ فَكَذَلِكَ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ‏}‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 84‏]‏‏.‏ ‏{‏فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ‏}‏ ‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 40‏]‏‏.‏ ‏{‏وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 87‏]‏‏.‏ ‏{‏وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الْأَنْفَال‏:‏ 54‏]‏‏.‏

وَحَيْثُ وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ- بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا أَدَاتُهُ أَوِ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ- فَالنَّفْيُ مُوَجَّهٌ إِلَى الشُّمُولِ خَاصَّةً‏.‏ وَيُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ إِثْبَاتُ الْفِعْلِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ‏.‏

وَإِنْ وَقَعَ النَّفْيُ فِي خَبَرِهَا فَهُوَ مُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ؛هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيَانِيُّونَ‏.‏

وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ‏}‏ ‏[‏لُقْمَانَ‏:‏ 18‏]‏ إِذْ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْحُبِّ لِمَنْ فِيهِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ‏.‏

وَأُجِيبُ‏:‏ بِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَفْهُومِ إِنَّمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَهُوَ هُنَا مَوْجُودٌ، إِذْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ مُطْلَقًا‏.‏

مَسْأَلَةٌ‏:‏

تَتَّصِلُ ‏(‏مَا‏)‏ بِكُلٍّ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 25‏]‏ وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، وَلَكِنَّهَا نَابَتْ بِصِلَتِهَا عَنْ ظَرْفِ زَمَانٍ كَمَا يَنُوبُ عَنْهُ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ، وَالْمَعْنَى‏:‏ كُلَّ وَقْتٍ، وَلِهَذَا تُسَمَّى ‏(‏مَا‏)‏ هَذِهِ الْمَصْدَرِيَّةَ الظَّرْفِيَّةَ، أَي‏:‏ النَّائِبَةَ عَنِ الظَّرْفِ، لَا أَنَّهَا ظَرْفٌ فِي نَفْسِهَا؛ فَكُلٌّ مِنْ ‏(‏كُلَّمَا‏)‏ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى شَيْءٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَنَاصِبُهُ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ جَوَابٌ فِي الْمَعْنَى‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ أَنَّ ‏(‏كُلَّمَا‏)‏ لِلتَّكْرَارِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ ‏(‏مَا‏)‏؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ، وَ‏(‏كُلُّ‏)‏ أَكَّدَتْهُ‏.‏

‏[‏كِلَا وَكِلْتَا‏]‏

كِلَا وَكِلْتَا‏:‏ اسْمَانِ مُفْرَدَانِ لَفْظًا مُثَنَّيَانِ مَعْنًى، مُضَافَانِ أَبَدًا- لَفْظًا وَمَعْنًى- إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَرَّفَةٍ دَالَّةٍ عَلَى اثْنَيْنِ‏.‏

قَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ وَهُمَا فِي التَّثْنِيَةِ كَكُلٍّ فِي الْجَمْعِ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 33‏]‏‏.‏ ‏(‏أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا‏)‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 23‏]‏‏.‏

‏[‏كَلَّا‏]‏

كَلَّا‏:‏ مُرَكَّبَةٌ عِنْدَ ثَعْلَبٍ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَلَا الثَّانِيَةِ النَّافِيَةِ، شُدِّدَتْ لَامُهَا لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى، وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ بَقَاءِ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ بَسِيطَةٌ، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ‏:‏ حَرْفٌ مَعْنَاهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ ‏(‏كَلَّا‏)‏، لَا مَعْنَى لَهَا عِنْدَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ؛ حَتَّى إِنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَبَدًا الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهَا؛ وَحَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ‏:‏ مَتَى سَمِعْتَ كَلَّا فِي سُورَةٍ فَاحْكُمْ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَأَكْثَرُ مَا نُزِّلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُتُوِّ كَانَ بِهَا‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ مَعْنَى الزَّجْرِ فِي نَحْو‏:‏ ‏{‏مَا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا‏}‏ ‏[‏الِانْفِطَار‏:‏ 8- 9‏]‏‏.‏ ‏{‏يَوْمُ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا‏}‏ ‏[‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 6- 7‏]‏‏}‏ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ كَلَّا‏}‏ ‏[‏الْقِيَامَة‏:‏ 19- 20‏]‏، وَقَوْلُهُمْ‏:‏ انْتَهِ عَنْ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْوِيرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ اللَّهُ، وَبِالْبَعْثِ، وَعَنِ الْعَجَلَةِ بِالْقُرْآنِ، تَعَسُّفٌ؛ إِذْ لَمْ تَتَقَدَّمْ فِي الْأُولَيَيْنِ حِكَايَةُ نَفْيِ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ، وَلِطُولِ الْفَصْلِ فِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ كَلَّا وَذِكْرِ الْعَجَلَةِ‏.‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلْ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْعَلَقِ، ثُمَّ نَزَلَ‏:‏ ‏{‏كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى‏}‏ ‏[‏الْعَلَق‏:‏ 6‏]‏ فَجَاءَتْ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ‏.‏

وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ مَعْنَى الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا فِيهَا، فَزَادُوا مَعْنًى ثَانِيًا يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوقَفَ دُونَهَا وَيُبْتَدَأَ بِهَا‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى‏:‏ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ‏:‏ تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ‏:‏ بِمَعْنَى ‏(‏أَلَا‏)‏ الِاسْتِفْتَاحِيَّةِ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ، وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ‏.‏ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ‏.‏

وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ‏:‏ حَرْفُ جَوَابٍ بِمَنْزِلَة‏:‏ أَيْ وَنَعَمْ، وَحَمَلُوا عَلَيْه‏:‏ ‏{‏كَلَّا وَالْقَمَرِ‏}‏ ‏[‏الْمُدَّثِّر‏:‏ 32‏]‏‏.‏

وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ سَعْدَانَ‏:‏ بِمَعْنَى سَوْفَ، وَحَكَاهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَذْكِرَتِهِ‏.‏

قَالَ مَكِّيٌّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى حَقًّا فَهِيَ اسْمٌ، وَقُرِئَ‏:‏ ‏{‏كَلًّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ‏}‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 82‏]‏‏.‏ بِالتَّنْوِينِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ مَصْدَرُ كَلَّ إِذَا أَعْيَا، أَيْ‏:‏ كَلُّوا فِي دَعْوَاهُمْ وَانْقَطَعُوا، أَوْ مِنَ الْكَلِّ وَهُوَ الثِّقَلُ، أَيْ‏:‏ حَمَلُوا كَلًّا‏.‏

وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَهُ حَرْفَ رَدْعٍ نُوِّنَ، كَمَا فِي ‏{‏سَلَاسِلَاْ‏}‏ ‏[‏الْإِنْسَان‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وَرَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا صَحَّ فِي ‏(‏سَلَاسِلَاْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ أَصْلُهُ التَّنْوِينُ، فَرَجَعَ بِهِ إِلَى أَصْلِهِ لِلتَّنَاسُبِ‏.‏

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ‏:‏ وَلَيْسَ التَّوْجِيهُ مُنْحَصِرًا عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ، بَلْ جَوَّزَ كَوْنَ التَّنْوِينِ بَدَلًا مِنْ حَرْفِ الْإِطْلَاقِ الْمَزِيدِ فِي رَأْسِ الْآيَةِ‏.‏ ثُمَّ أَنَّهُ وُصِلَ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ‏.‏

‏[‏كَمْ‏]‏

كَمْ‏:‏ اسْمٌ مَبْنِيٌّ لَازِمُ الصَّدْرِ، مُبْهَمٌ، مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّمْيِيزِ‏.‏ وَتَرِدُ اسْتِفْهَامِيَّةً- وَلَمْ تَقَعْ فِي الْقُرْآنِ- وَخَبَرِيَّةً بِمَعْنَى كَثِيرٍ‏.‏

وَإِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا فِي مَقَامِ الِافْتِخَارِ وَالْمُبَاهَاةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ‏}‏ ‏[‏النَّجْم‏:‏ 26‏]‏، ‏{‏وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا‏}‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ‏{‏وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وَعَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّ أَصْلَهَا ‏(‏كَمَا‏)‏ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِثْلَ بِمَ وَلِمَ، وَحَكَاهُ الزَّجَّاجُ‏.‏ وَرَدَّهُ‏:‏ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مَفْتُوحَةَ الْمِيمِ‏.‏

‏[‏كَيْ‏]‏

كَيْ‏:‏ حَرْفٌ لَهُ مَعْنَيَان‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ التَّعْلِيلُ مَعْنَى حَرْف ‏(‏كي‏)‏، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ‏}‏ ‏[‏الْحَشْر‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ مَعْنَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لِكَيْلَا تَأْسَوْا‏}‏ ‏[‏الْحَدِيد‏:‏ 23‏]‏ لِصِحَّةِ حُلُولِ ‏(‏أَنْ‏)‏ مَحَلَّهَا، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَرْفَ تَعْلِيلٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَرْفُ تَعْلِيلٍ‏.‏

‏[‏كَيْفَ‏]‏

كَيْفَ‏:‏ اسْمٌ يَرِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ الشَّرْط، وَالاستفهام‏:‏

الشَّرْطُ‏:‏ وَخُرِّجَ عَلَيْه‏:‏ ‏{‏يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏الْمَائِدَة‏:‏ 64‏]‏‏.‏ ‏{‏يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 6‏]‏‏.‏ ‏{‏فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏الرُّوم‏:‏ 48‏]‏ وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا‏.‏

وَالِاسْتِفْهَامُ‏:‏ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ لَا عَنْ ذَاتِهِ‏.‏ قَالَ الرَّاغِبُ‏:‏ وَإِنَّمَا يُسْأَلُ بِهَا عَمَّا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيه‏:‏ شَبِيهٌ وَغَيْرُ شَبِيهٍ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي اللَّهِ كَيْفَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكُلَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِلَفْظِ كَيْفَ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ اسْتِخْبَارٌ عَلَى طَرِيقِ التَّنْبِيهِ لِلْمُخَاطَبِ أَوِ التَّوْبِيخِ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 28‏]‏‏.‏ ‏{‏كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 86‏]‏‏.‏

‏[‏اللَّامُ‏]‏

اللَّامُ‏:‏ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ‏:‏ جَارَّةٌ، وَنَاصِبَةٌ، وَجَازِمَةٌ، وَمُهْمَلَةٌ غَيْرُ عَامِلَةٍ‏.‏

فَالْجَارَّةُ‏:‏ مَكْسُورَةٌ مَعَ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ‏:‏ ‏(‏الْحَمْدُ لُلَّهِ‏)‏ فَالضَّمَّةُ عَارِضَةٌ لِلْإِتْبَاعِ، مَفْتُوحَةٌ مَعَ الضَّمِيرِ إِلَّا الْيَاءَ‏.‏ وَلَهَا مَعَانٍ‏:‏

الِاسْتِحْقَاقُ‏:‏ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ مَعْنًى وَذَاتٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏)‏‏.‏ ‏(‏لِلَّهِ الْأَمْرُ‏)‏ ‏[‏الرُّوم‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ‏(‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏)‏ ‏[‏الْمُطَفِّفِينَ‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏(‏لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 114‏]‏‏.‏

وَالِاخْتِصَاصُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ لَهُ أَبًا‏)‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 78‏]‏‏.‏ ‏(‏فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ‏)‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 11‏]‏‏.‏

وَالْمِلْكُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ‏)‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 255‏]‏‏.‏

وَالتَّعْلِيلُ‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏)‏ ‏[‏الْعَادِيَات‏:‏ 8‏]‏‏.‏ أَيْ‏:‏ وَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ‏.‏ ‏(‏وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ‏)‏ الْآيَةَ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 81‏]‏ فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ، أَيْ‏:‏ لِأَجْلِ إِيتَائِي إِيَّاكُمْ بَعْضَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، ثُمَّ لِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ‏)‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 81‏]‏ فَـ ‏(‏مَا‏)‏ مَصْدَرِيَّةٌ وَاللَّامُ تَعْلِيلِيَّةٌ –وَقَوْلُهُ ‏(‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏)‏ ‏[‏قُرَيْشٍ‏:‏ 1‏]‏- وَتَعَلُّقُهَا بِـ ‏(‏فَلْيَعْبُدُوا‏)‏ وَقِيلَ‏:‏ بِمَا قَبْلَهُ، أَيْ‏:‏ ‏(‏فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏)‏ ‏[‏الْفِيل‏:‏ 5، وَقُرَيْشٍ‏:‏ 1‏]‏ وَرُجِّحَ بِأَنَّهُمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَمُوَافَقَةُ‏:‏ ‏(‏إِلَى‏)‏‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏)‏ ‏[‏الزَّلْزَلَة‏:‏ 5‏]‏ ‏(‏كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى‏)‏ ‏[‏الرَّعْد‏:‏ 2‏]‏‏.‏

وَ‏(‏عَلَى‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ‏)‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 109‏]‏‏.‏ ‏(‏دَعَانَا لِجَنْبِهِ‏)‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 12‏]‏‏(‏وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ‏)‏ ‏[‏الصَّافَّات‏:‏ 103‏]‏‏.‏ ‏(‏وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا‏)‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 7‏]‏‏.‏ ‏(‏لَهُمُ اللَّعْنَةُ‏)‏ ‏[‏الرَّعْد‏:‏ 25‏]‏ أَيْ‏:‏ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ‏.‏

وَ‏(‏فِي‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏)‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 47‏]‏‏.‏ ‏(‏لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ‏)‏ ‏[‏الْأَعْرَاف‏:‏ 187‏]‏‏.‏ ‏(‏يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي‏)‏ ‏[‏الْفَجْر‏:‏ 24‏]‏‏.‏ أَيْ‏:‏ فِي حَيَاتِي‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ هِيَ فِيهَا لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ‏:‏ لِأَجْلِ حَيَاتِي فِي الْآخِرَةِ‏.‏

وَ‏(‏عِنْدَ‏)‏‏:‏ كَقِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ ‏(‏بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لِمَا جَاءَهُمْ‏)‏ ‏[‏ق‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وَ‏(‏بَعْدَ‏)‏‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوِكِ الشَّمْسِ‏)‏ ‏[‏الْإِسْرَاء‏:‏ 78‏]‏‏.‏

وَ‏(‏عَنْ‏)‏‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ‏)‏ ‏[‏الْأَحْقَاف‏:‏ 11‏]‏ أَيْ‏:‏ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ‏.‏ لَا أَنَّهُمْ خَاطَبُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِلَّا لَقِيلَ‏:‏ ‏(‏مَا سَبَقْتُمُونَا‏)‏‏.‏

وَالتَّبْلِيغُ‏:‏ وَهِيَ الْجَارَّةُ لِاسْمِ السَّامِعِ لِقَوْلٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِذْنِ‏.‏

وَالصَّيْرُورَةُ‏:‏ وَتُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا‏)‏ ‏[‏الْقَصَص‏:‏ 8‏]‏ فَهَذَا عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ؛ إِذْ هِيَ التَّبَنِّي‏.‏ وَمَنَعَ قَوْمٌ ذَلِكَ وَقَالُوا‏:‏ هِيَ لِلتَّعْلِيلِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَدُوًّا لَمَّا كَانَ نَاشِئًا عَنِ الِالْتِقَاطِ- وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا لَهُمْ- نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْغَرَضِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ‏:‏ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُمُ الْتَقَطُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا؛ وَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ ‏(‏لِمَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ‏)‏ كَقَوْلِه‏:‏ ‏(‏يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا‏)‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 176‏]‏ أَيْ‏:‏ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَالتَّأْكِيدُ‏:‏ وَهِيَ الزَّائِدَةُ، أَوِ الْمُقَوِّيَةُ لِلْعَامِلِ الضَّعِيفِ لِفَرْعِيَّةٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏رَدِفَ لَكُمْ‏)‏ ‏[‏النَّمْل‏:‏ 72‏]‏‏.‏ ‏(‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ‏)‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 26‏]‏، ‏(‏وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ‏)‏‏[‏الْأَنْعَام‏:‏ 71‏]‏ ‏(‏فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ‏)‏ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 107‏]‏‏.‏ ‏(‏إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ‏)‏ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 43‏]‏‏.‏ ‏(‏وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ‏)‏‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 78‏]‏‏.‏

وَالتَّبْيِينُ لِلْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُول‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏فَتَعْسًا لَهُمْ‏)‏‏[‏مُحَمَّدٍ‏:‏ 8‏]‏‏.‏ ‏(‏هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ‏)‏ ‏[‏الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ 36‏]‏‏.‏ ‏(‏هَيْتَ لَكَ‏)‏‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 23‏]‏‏.‏

وَالنَّاصِبَةُ‏:‏ هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ‏.‏ وَادَّعَى الْكُوفِيُّونَ النَّصْبَ بِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُمْ‏:‏ بِأَنْ مَقْدَّرَةٍ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِاللَّامِ‏.‏

وَالْجَازِمَةُ‏:‏ وَهِيَ لَامُ الطَّلَبِ، وَحَرَكَتُهَا الْكَسْرُ، وَسُلَيْمٌ تَفْتَحُهَا، وَإِسْكَانُهَا بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِنْ تَحْرِيكِهَا، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي‏)‏‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 186‏]‏‏.‏ وَقَدْ تُسَكَّنُ بَعْدَ ثُمَّ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ لْيَقْضُوا‏)‏‏[‏الْحَجّ‏:‏ 29‏]‏‏.‏ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ أَمْرًا، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ‏)‏ ‏[‏الطَّلَاق‏:‏ 7‏]‏ أَوْ دُعَاءً، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ‏)‏ ‏[‏الزُّخْرُف‏:‏ 77‏]‏‏.‏

وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ إِلَى الْخَبَرِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ‏)‏ ‏[‏مَرْيَمَ‏:‏ 75‏]‏‏.‏ ‏(‏وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ‏)‏‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 12‏]‏‏.‏

أَوِ التَّهْدِيدِ،‏:‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏)‏‏[‏الْكَهْف‏:‏ 29‏]‏‏.‏

وَجَزْمُهَا فِعْلَ الْغَائِبِ كَثِيرٌ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ‏}‏ ‏[‏النِّسَاء‏:‏ 102‏]‏‏.‏ وَفِعْلَ الْمُخَاطَبِ قَلِيلٌ، وَمِنْهُ ‏(‏فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا‏)‏ ‏[‏يُونُسَ‏:‏ 58‏]‏‏.‏ فِي قِرَاءَةِ التَّاءِ، وَفِعْلَ الْمُتَكَلِّمِ أَقَلُّ، وَمِنْهُ ‏(‏وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ‏)‏‏[‏الْعَنْكَبُوت‏:‏ 12‏]‏‏.‏

وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ أَرْبَعٌ‏:‏

لَامُ الِابْتِدَاء‏:‏ وَفَائِدَتُهَا أَمْرَان‏:‏ تَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ؛ وَلِهَذَا زَحْلَقُوهَا فِي بَابِ ‏(‏إِنَّ‏)‏ عَنْ صَدْرِ الْجُمْلَةِ، كَرَاهَةَ تَوَالِي مُؤَكِّدَيْنِ‏.‏ وَتَخْلِيصَ الْمُضَارِعِ لِلْحَالِ‏.‏

وَتَدْخُلُ فِي الْمُبْتَدَإِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً‏)‏‏[‏الْحَشْر‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وَفِي خَبَرِ ‏(‏إِنَّ‏)‏ نَحْوَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ‏)‏‏[‏إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 39‏]‏‏.‏ ‏(‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ‏)‏‏[‏النَّحْل‏:‏ 124‏]‏‏.‏ ‏(‏وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏)‏‏[‏الْقَلَم‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وَاسْمِهَا الْمُؤَخَّرِ، نَحْوَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ‏)‏‏[‏اللَّيْل‏:‏ 12- 13‏]‏‏.‏

وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ فِي خَبَرِ ‏(‏أَنَّ‏)‏ الْمَفْتُوحَة‏:‏ كَقِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏(‏إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ‏)‏ ‏[‏الْفَرْقَان‏:‏ 20‏]‏‏.‏ وَفِي الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ ‏(‏يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏)‏‏[‏الْحَجّ‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وَلَامُ الْجَوَابِ لِلْقَسَم‏:‏ أَوْ ‏(‏لَوْ‏)‏ أَوْ ‏(‏لَوْلَا‏)‏ نَحْوَ‏:‏ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ ‏[‏يُوسُفَ‏:‏ 91‏]‏، ‏{‏وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَنْبِيَاء‏:‏ 57‏]‏‏.‏ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا ‏[‏الْفَتْح‏:‏ 25‏]‏‏.‏ ‏{‏وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 251‏]‏‏.‏

وَاللَّامُ الْمُوَطِّئَةُ‏:‏ وَتُسَمَّى الْمُؤْذِنَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى أَدَاةِ شَرْطٍ، لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ الْجَوَابَ بَعْدَهَا مَعَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَسَمٍ مُقَدَّرٍ، نَحْوَ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ‏}‏ ‏[‏الْحَشْر‏:‏ 12‏]‏‏.‏ وَخُرِّجَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ‏)‏‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 81‏]‏‏.‏